المنبرالحر

بمناسبة إختتام إحتفالات الحزب بالذكرى الثمانين، شخصيات وطنية ثورية لم ينصفها التأريخ / عبد الرزاق الغرباوي

شيء من التأريخ
الناصرية بريفها وقبائلها وشعبها التواق للحرية، كما وصفها المؤرخ( حنا بطاطو ) مدينة الثورة الدائمة، مدينة الجهاد ضد الغزاة والمحتلين، فعند وصول المجاهد الكبير ( محمد سعيد الحبوبي ) إليها سنة 1915، ونزوله في دار الحاج علي العضاض، للتهيئة لمقاومة القوات البريطانية، وجد هذا المجاهد البطل في أبناء الناصرية، تربة خصبة، لنبتة النضال والجهاد، لذلك قاد منها ومن أبنائها،جحافل المقاومة ضد البريطانيين، كما شهدت المدينة وتوابعها، إنتفاضة قبيلة حجام، في قضاء سوق الشيوخ، بقيادة الشيخ الثائر ريسان، والشيخ حيال عام 1935، ولا زال أبناء الناصرية يتغنون بأهازيج تلك الإنتفاضة، ومن بينها:
(فصل حيال من غازي يريدونه!
الف جندي وألف شرطي، وألف دينار
وكلها ولا يوفونه!! )
و( أم حيال لا تبجين
راح بيوم كناره
ترمي طواب وبرشاش
وتحومي الطياره! )
وأعاد التأريخ نفسه، حيث قام سليل الثوار، الشيخ كاظم الريسان، بإنتفاضة شعبان المباركة، سنة 1991، وكان للشيخ الثائر قول الفصل فيها، كما كان للشخصية الوطنية، الشيخ بدر الرميض، المعروف بفطرته الوطنية، كما وصفته المس بيل في مذكراتها الشخصية، مواقفه المعروفة ضد الإستعمار البريطاني،، وكانت بريطانيا تعتبر إعلان ولاء الشيخ بدر الرميض لها، مفتاحاً رئيسياً لدخول جميع مناطق المنتفك، كما إعترف بذلك الحاكم العسكري البريطاني توماس!، كما يجب أن لا ننسى الشخصية الوطنية السيد عبد الكريم السبتي الرماحي، الذي إستهان بالقائد البريطاني في سراي الناصرية، فدبر له الأخير، مع الحاكم العسكري لسراي الناصرية، الميجر كوري مكيدة، فإغتيل عام 1923.
أما في عام 1941، وفي حركة مايس المعروفة، فقد إنتفض أبناء الناصرية إنتفاضة عارمة، تم خلالها قتل الحاكم العسكري البريطاني، جيفرسون، على يد البطل حسين رخيّص، وتم قتل حمايته، أمام باب المرحوم محمد علي الغرباوي.
ولا بد أن نتذكر، ونحن نستعرض بعض شخصيات المدينة، مؤرخها الوطني المرحوم شاكر الغرباوي، ومواقفه الأدبية والسياسية، منذ أربعينات القرن الماضي. وكذلك الوجيه المحامي محمد حسن العضاض.
وكانت الناصرية اول المدن العراقية، التي طالبت بالحكم الذاتي لكردستان، إذ أبعد إليها الشيخ الثائر محمود الحفيد عام 1939،، فخرجت في شوارعها تظاهرة حاشدة، تجمعت أمام بيت الشيخ محمود الحفيد، يقودها يوسف سلمان(فهد ) ومعه المناضلون حميد رشيد كسار وعبد الجبار حسون الجار الله، وفليح الخياط وطالب فليح المدو، ويونس دوخي، وكانت التظاهرة تطالب بالحرية للعراق والحكم الذاتي لكردستان، كما يجب أن لا ننسى الشخصية الوطنية المعروفة، السيد عبد الحسن علوان، معتمد الحزب الوطني الديمقراطي، الذي كان يرأسه السيد كامل الجادرجي.
الشهيد خالد أحمد زكي
ولد الشهيد خالد أحمد زكي في بغداد، لعائلة إرستقراطية معروفة، ومنذ إنتماءه للحزب الشيوعي العراقي إنتحر طبقياً، وتحول إلى شخصية زاهدة ومتواضعة، تعلو وجهه إبتسامة إنسانية، تعكس حبه لشعبه ووطنه، كما رباه الحزب.
بعد إنقلاب 8 شباط الدموي عام 1963، بدأت بوادر التصدي المسلح لزمرة الإنقلابيين، في مناطق الأهوار وريف الفرات الأوسط، وكان الشهيد خالد وقتها يدرس في لندن، فألهمه هذا النموذج من الكفاح الرغبة في تبنيه وإستخدامه، وعندما اكمل دراسته العليا في الهندسة، وعمل ضمن مؤسسة الفيلسوف البريطاني برتلاند رسل للسلام، بدأ بمفاتحة القريبين منه، بضرورة تبني نهج الكفاح المسلح، ومن بين من أيده المناضل إدريس النجار.
وهكذا ترك الشهيد خالد عاصمة الضباب، ونزل بحلمه الثوري، نحو أهوار الناصرية، و( هور الغموكة )، إذ رفض أن يقف متفرجاً، منتظراً نضوج( الظروف الموضوعية والذاتية !)، في حين يعيش الشعب وكادحوه اتعس الظروف، لقد قدم الشهيد خالد وثيقة تأريخية فكرية لقيادة الحزب، تؤكد على أفضلية نهج الكفاح المسلح، ولا تلغي الأساليب الأخرى للعمل السياسي، كالتظاهرات وتقديم العرائض وإرسال الوفود وغيرها، وإعتماد العمل في الريف، بإعتباره القاعدة الرئيسية للثورة، وعدم إهمال المدن، التي ستكون الهدف النهائي للكفاح المسلح، مع عدم إغفال إستمرار العمل، من أجل توحيد القوى الوطنية، والإهتمام بالحركة العمالية والطلابية، وقد إلتحق بهذا النهج الثوري معظم كوادر وأعضاء منظمة الناصرية، ولم يبق سوى عضو اللجنة المحلية الرفيق ( بدر جلود )، وكانت دار الرفيقين الأخوين، حسين وكاظم منخي الأزيرجاوي داراً للثوار، ومقراً وممراً للثورة المسلحة، وكذلك دار المناضل المضمد حربي طعمة، التي كانت بؤرة ثورية لتجميع الأدوية والأموال، وإرسالها للأهوار! وفي سوق الشيوخ كان للمناضلين عودة وهيب وكاطع جواد عمران، الأثر البالغ في إسناد الثورة المسلحة.
كما قام الرفيق كاظم منخي، بالإتصال بالشيخ كاظم الريسان، شيخ عشيرة حجام، عن طريق المناضل عبد الحسين شياع، إبن العشيرة والمُقرب من الشيخ ريسان، وذلك لإسناد الثورة المسلحة، وكان جواب الشيخ ريسان في رسالة للأخوين حسين وكاظم منخي( أنا وعشيرتي من جنود الحزب الشيوعي العراقي )، وإستمر هذا التنظيم يمارس مختلف نشاطاته العسكرية والتنظيمية، بعدها تم إعتقال المناضلين كاظم منخي ورحمن جبر وسعدون جبر ومحمد ثجيل وعودة وهيب.
معركة هور الغموكة
إنها حقاً ملحمة للصمود الإسطوري، إذ تصدت مجموعة صغيرة من الثوريين الأبطال، لحشد من آلاف الجنود ورجال الشرطة، وبأسلحة كثيرة ومتطورة، بما فيها طائرات الهليوكبتر العسكرية.
بدات المعركة في الساعة الحادية عشر، صباح يوم 2/6/1968، وإستمرت حتى الساعة السابعة مساء نفس اليوم، وكان ختام المعركة إستشهاد الرفاق خالد أحمد زكي ومحسن حواس ومنعثر سوادي، أما الخسائر الحكومية، فكانت فادحة في القتلى والجرحى، كما تم إسقاط طائرة هليوكبتر عسكرية، وقتل طيارها ومساعده.
وبعد إستشهاد خالد أحمد زكي ورفاقه الأبطال، تم دفن الشهيد خالد في مكان قريب من مقام( سيد جابر ) شمال مدينة الناصرية، ولكن أسرة الشهيد خالد قدمت من بغداد، وأرشدها الرفيق حربي طعمة، لمكان قبر الشهيد، فتم إخراج جثمانه، ودفنه في مقبرة باب المعظم في بغداد.
وبعد مأثرة هور الغموكة، وما تركته من دروس وقيم، في البطولة والتضحية والفداء، إستمر نضال الشيوعيين العراقيين، وعملياتهم العسكرية والسياسية، موكدين لشعبهم وكادحيه، أنهم ثابتون راسخون، وإن الوطن الحر والشعب السعيد، ليس حلماً مستحيلاً، بل إمكانية سيبذل الحزب ورفاقه، كل جهودهم من أجل تحقيقها.