المنبرالحر

ما سمعته بأم اذني عن واقعة "ثوار الغموكة" / خليل مزهر الغالبي

في الساعة الخامسة صباحا كنت مع والدي المرحوم"السيد مزهر"نفتح حانوتنا الكائن في"سوق العبايجية" في مدينتنا الشطرة، وقد طل علينا الرئيس عرفاء الشرطة "عذافة بغيل". وعلى غير عادة ابناء الريف في وقت حضورهم، وبلا تحية منه جلس متعبا على صندوق الجلوس خارج المحل، ومن محياه ونظراته اثار تساؤل والدي: "ها ابو جبار اشبيك اشو مو على بعضك". فأخذ عذافة يطلق اهات من انفاسه، وبعد تكرار السؤال عليه، طلب من الوالد ان يلف له سيكارة، لانه لا يعرف طريقة اللف لعدم تدخينه سيكارة طول حياته!
وبعد أن شدد عليه الوالد نطقّ عذافة وقال" يا سيد يا ابو جليل، انتهيت بعد اشظل بيه" واخذ يتكلم باسترسال وبصعوبة واضحة: "جتفوني.. آنه عذافة اليخاف مني الطنطل وتخاف مني الظلمة، انه وشرطتي".
وبدأ عذافة في قص حكايته وانا في دهشة انصاتي له "في العصر انه والشرطة في مخفري، (مخفر شرطة بني سعيد) دخل علينا شرطي بعد ان عبر الطوف وخلفه عسكري اخر برتبة نقيب، وقدمه لي على انه ممثل عن مديرية تفتيش شرطة لواء الناصرية، وكان احد الشرطة يقوم بواجب المراقبة لكنهم (فلتوا من شوفه) وعبروا علينا، وقمت انا مع الشرطة الاثنين بارتداء بدلاتنا العسكرية بعد ان اصابنا الحرج، وجلسنا معهم، واخذ النقيب يسال عن شؤوننا وعن حاجاتنا وماهي إلا برهة حتى عبر الطوف علينا اثنان او ثلاثة اشخاص مدنين مسلحين شاهرين سلاحهم علينا، واخذوا منا الاسلحة من المكان المخصص لها في الغرفة"الجرداغ"، وادخلونا الغرفة بعد ان وثقوا ايدينا بقوة وبعدها اغلقوا الباب ووضعوا سلسلة وفيها القفل.. وقد حدثونا بهدوء وبلهجة مودة، انهم غير مجرمين ولا قتلة بل هم ثوار يريدون ان يخلصوا الناس من ظلم الحكومة والاقطاعيين، لكنهم خبرونا بعدها وبشدة "انكم تبقون هنا والباب مقفول عليكم واي بادرة منكم او اطلاق صوت نقتلكم.
وبعد مرور ساعات طوال علينا انفتح الباب وادخلوا علينا شرطة المخفر الاخر موثقين، وهم من مخفر قرية بني زيد المجاورة لقرية بني سعيد).
وبعد ان سكت "عذافة" والآهات تنطلق من سمات وجهه، خبر والدي انه سوف يختفي في قريته عند عشيرة "آل جهل" وهي من العشائر التي تقيم في الجهة الغربية المقابلة لعشيرة "بني سعيد" وعشيرة "بني زيد" مكان الانتفاضة.
لكن الوالد أخبره ما في هروبه من ضرر، وفي تلك الازمان المتسمة بشدة القانون ومخافته، بأن عليه ان يذهب الى مركز الشرطة "شرطة مدينتنا الشطرة" وخبرهم بشجاعة وبلا تهيب ولو ادخلوك السجن، خير لك من ان تهرب وتبقى هارب، ومنه تحاسب كخائن او متأمر وغيرها من التهم.
وبعد ممانعات قبل الرئيس عرفاء "عذافة بغيل" بذلك خاصة وقد اخبره الوالد ولكونه سيد معروف ان يكلف عليه عريف شرطة والعريف الشرطي له كلمته وله كلمة في ذلك الزمن البسيط القليل من الرتب إلا نادرا.
بعد انتهائي من الدوام في مدرسة متوسطة الشطرة، رأيت عدد من الناقلات العسكرية الغريبة، واقفة بمحاذاة نهر المدينة، وبعد تناقلنا في الحديث عنها تبين انها عربات برمائية تفيد في العمل العسكري داخل المجمعات المائية. وقد استعملت هذه في دخول منطقة الهور لكنها فشلت في تحقيق الغرض منها، وذلك لتجمع البردي والقصب عند مراوح الدفع وتوقفها.
بعدها تم جلب جماعات عسكرية خاصة لهذه العملية وهي قوة مغاوير، وقد توقفت داخل مدينة الشطرة وعلى طول النهر وبترتيب حتى بناية "قائمقامية" المدينة التي فيها جناح خاص وكبير لشرطة القضاء، ولم نعرف جهتها وتبين انها أتت من محافظة الديوانية.
وبعد العلميات العسكرية في هور الغموكة، تم جلب عدد 3أو 2 من القتلى الى مستشفى الشطرة ومعهم جريح بإصابة بليغة في بطنه، وعملوا له اجراءات ايقاف للنزف وأخبرني اخي الاكبر كريم مزهر الغالبي بعدها، ان الجريح وحين أسمعه احد الشرطة الامنين كلمة توبيخ، ما كان منه إلا ان يصرخ بوجهه وبكلمة "شتم" عالية الصوت والوقع، وهو يزيل الشداد الطبي والقطن ليترك جرحه ينزف، كي يموت ولا يبقى اسير جريح لدى شرطة امن حكومة الطاغية ،وذكر لي اخي ان اسمه على ما يتذكر "حسن" او مقارب له.
اسرد هذه الاحداث وانا على يقين انه تبقى انتفاضة الغموكة الشيوعية، حاضرة في الذاكرة العراقية الرافضة للظم، فكم كتب عنها الشعراء تغنياً بها ومنهم الشاعر الراحل- رحيم الغالبي- في قوله...
عرس ( خالد زكي ) لليوم
هلهوله تطر وسط الغموكه
الخوفت تيجان