المنبرالحر

ما الهدف من الادخار الإجباري؟ / إبراهيم المشهداني

جرى الإعلان، عبر مختلف وسائل الإعلام، عن تنازل الرئاسات الثلاث عن نصف رواتبهم دعما للإجراءات العسكرية ضد الإرهاب، وكأحد الحلول للازمة الاقتصادية التي نشأت بعد أحداث العاشر من حزيران، بسبب انخفاض أسعار النفط منذ شهر تشرين الأول الماضي.
واعتقد الجمهور أنها بداية طيبة لتخفيض رواتب كبار موظفي الدولة، ما يشير الى عملية مراجعة لطريقة توزيع الثروة التي كانت طيلة السنوات الماضية غير عادلة، ما أثار حركة نقد واستنكار من الملايين المسحوقة.
لكن الامر ظهر فيما بعد أن التضحيات الموهومة التي جرى التطبيل لها قد أخذت مفهوما اخر اسموه الادخار الاجباري، وان هذه المبالغ ستعود لأصحابها المسؤولين زائدا فوائدها ! وما ذلك سوى حيلة سوقها بعض الاقتصاديين في هرم السلطة لإضافة المشروعية على هذه الخطوة التي جرى التصفيق لها.
من جهتنا كنا نطمح إلى إعادة النظر في هذه الرواتب لتكون متناسبة مع سلم رواتب موظفي الدولة، وتنتهي ظاهرة التسابق على اقتسام ثروة البلاد من قبل المتطفلين، لتحقيق بعضا من العدالة الاجتماعية المنشودة.
ان مفهوم الادخار الاجباري بهذا الشكل لا علاقة له بمفهوم الادخار في الفكر ألاقتصادي وأكثر من ذلك انه سيكون وسيلة للتهرب من الضريبة التي يجري الحديث عنها لحد العجز في الميزانية.
فالادخار بالمفهوم الاقتصادي هو الاستثمار عينه في الحياة الاقتصادية الواقعية وهما في الاقتصاد المبسط الذي لا يحتوي إلا على الاستهلاك والاستثمار الشرط الاساسي في تساوي الادخار والاستثمار، اما اذا نظر اليهما من زاوية استباقية في العملية التخطيطية فأنهما قد لا يتساويان بالضرورة، ما اثار جدلا واسعا بين رجال الفكر الاقتصادي بسبب وجود متغيرات عديدة في الاقتصاد تترك اثارها على هذين المفهومين ولاسيما الدخل حيث ان مستواه يؤثر على دوال الادخار والاستثمار.
وخلاصة الموضوع، ان بالادخار يقصد به عدم الاستهلاك الجاري. فيما يعرف الاستثمار بكونه صافي الاضافة الحاصلة على مجمل ثروة المجتمع التي تتحقق في حال عدم استهلاك الدخل الجاري. وكلما زاد الاستهلاك فان الادخار (الاستثمار ) سيقل.
هذا هو المنطلق الذي طالما اوضحه الكثير من الاقتصاديين العراقيين؛ ان الطابع الاستهلاكي للمجتمع العراقي يترك اثره السلبي على عملية الادخار وبالتالي الاستثمار ما يؤثر على معدل النمو الاقتصادي. ومنشأ هذا الطابع هو الاعتماد على موارد النفط كمصدر وحيد للدخل المحلي الاجمالي.
من هنا يتعين على الحكومة والبرلمان اتخاذ خطوات جريئة باتجاه تخفيض رواتب كبار موظفي الدولة ابتداء من الرئاسات الثلاث لتكون متناسبة مع سلم رواتب موظفي الدولة وفرض الضرائب على اصحاب المداخيل العالية وخاصة الرواتب العالية وبضمتها المخصصات المباشرة والنفقات غير المباشرة التي تدخل في اطار امتيازات كبار موظفي الدولة، والعمل على تشجيع المواطنين من خلال حملة توعية مكثفة على الادخار سواء بالتوفير او بالودائع الثابتة للتقليل من الطابع الاستهلاكي، والتركيز على ما هو ضروري والحد من استيراد البضائع غير الضرورية والتخطيط الجاد لتفعيل دور القطاعات الانتاجية وحمايتها من غزو البضائع الأجنبية على طريق تحصين الاقتصاد من تأثيرات الازمة الاقتصادية العالمية .