المنبرالحر

المحاصصة والخراب / قاسم السنجري

عند زيارته إلى البصرة، تحدث رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي عن مساوئ انتهاج مبدأ المحاصصة في الاستثمار. ويبدو أن السيد العبادي الخارج منذ مدة وجيزة من اتفاق سياسي يتضمن فقرات عديدة، منها ما يجسد المحاصصة وتقاسم المناصب بشكل صارخ، قد ربط الاستثمار بالمحاصصة نتيجة لتورط قوى سياسية متنفذة بالدخول إلى عالم المال والمشاريع والتزاوج بين المال والسلطة، بعد أن فرضت نفوذها السياسي نتيجة المحاصصة الطائفية والقومية. وهذا التورط أنتج تردياً واضحاً في نوعية المشاريع التي زخرت بها موازنات الأعوام السابقة دون أن نلاقي أي أثر لها على أرض الواقع.
أن الخطوات التي يتحرك بها السيد العبادي، انعكست في تصريحاته ايضا، وفهم الكثيرون أن العبادي ينتقد المحاصصة برمتها، إلا أنه لا يسعى لاغضاب الشركاء الذين يطالبونه بسرعة إنجاز الاتفاق السياسي الذي تم تشكيل الكابينة الحكومية على أساسه، وهو الذي يحاول أن ينجو بحكومته من الأزمة الاقتصادية التي من أهم أسبابها؛ المحاصصة في الاستثمارات وتوزيع المشاريع وفق قوة النفوذ الذي تمتلكه هذه الكتلة أو تلك.
أن هذا الإقرار وإن جاء متأخرا، ويختص بجزئية واحدة من جزئيات كثيرة تعتمد في بناء الدولة، إلاّ أنه اقرار مهم في توضيح مساوئ المحاصصة الطائفية والقومية، التي انهكت البلاد وأدت إلى تراجعها في جميع المجالات، ابتداءً من الصعيد الأمني وليس انتهاءً بالصعيد الاقتصادي. حيث تجتهد الدولة للخروج من فرن أزمة العجز المالي الذي تواجهه الموازنة العامة للعام ٢٠١٥، هذه الأزمة التي تحتاج إلى خبرات حقيقية وعقليات اقتصادية تخطط وتضع الحلول ازاء ما تواجهه الدولة من تداعيات انخفاض اسعار النفط الذي يعد المورد الوحيد لميزانية العراق، اضافة إلى موارد أخرى تكاد تكون غير منظورة وليست ذات تأثير في تقليل العجز المالي.
إن المحاصصة التي هيمنت على الأجواء السياسية وخلقت مشهدا مرتبكا أمنيا وسياسياً، هي التي أخرت بناء دولةٍ تضع خططا تنموية حقيقية، وليس مجرد أرقام وهمية تتلاشى عند أول اختبار حقيقي. والمحاصصة هي التي أنتجت تفضيل الولاء السياسي والطائفي، على الخبرة والقدرة على الإدارة.
أن تصريح السيد العبادي يدخل ضمن النوايا الطيبة، إلا أن النوايا الطيبة غير قادرة على إنتاج مشهد سياسي يعتمد الخبرة والنزاهة، لكنه مؤشر يعتد به، يشير إلى أن السلطة التنفيذية بدأت تستشعر الخطر الذي تتسبب به المحاصصات المتننوعة، والتي أبدعت القوى المتنفذة في ابتكار اصناف جديدة منها، وصلت إلى تقاسم إدارة الأقسام الصغيرة في دائرة صغيرة بمنطقة نائية من البلاد.
هذا الأمر وأعني المحاصصة الطائفية والقومية، يستحق التوقف عنده، وقراءة ما وصلت إليه الأمور من خراب واضح تجاوز كل التصورات، وحتى لا نصل إلى مرحلة يصعب فيها إيجاد الحلول يجب أن تكون القوى السياسية برسم المسؤولية وأن لا تتمادى بنهج المحاصصة الذي لم ينتج إلاّ الخراب.