المنبرالحر

ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.. عيدا وطنيا / بشار قفطان

صبيحة يوم الرابع عشر من تموز عام 1958 استيقظ ابناء شعبنا على حدث تاريخي هام نتيجة التضحيات الجسام التي قدمها ابناءه للخلاص من النظام الملكي شبه الاقطاعي . ذلك التغيير الذي انعكس بآثاره الايجابية على معظم العلاقات الدولية والإقليمية بانحياز الثورة لصالح حركة التحرر الوطني والسلم العالمي ...
ولابد من التذكير ان الثورة لم تكن وليدة حدث عابر غير مخطط و مهيأ له , او كما تحدث وكتب عن حيثياتها بعض الكتاب بأنها انقلاب عسكري ضد السلطة القائمة متناسين التغيرات الجوهرية التي احدثتها الثورة من تغييرفي شكل النظام السياسي الذي كان يحكم البلاد من نظام ملكي شبه اقطاعي يخدم المصالح الاستعمارية , الى نظام جمهوري وطني ديمقراطي , وهي حصيلة التخطيط والتنسيق الذي جرى على قدم وساق بين حركة الضباط الاحرار وفصائل جبهة الاتحاد الوطني التي انبثقت مطلع اذار 1957 تلك الجبهة كانت طليعة شرائح الشعب المؤمنة بالتغيير والتوجه من اجل بناء عراقي وطني ديمقراطي .
بعض القيادات الوطنية كانت على علم مسبق بيوم تنفيذ الثورة كالحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي الذين ابلغا بموعدها قبل التنفيذ بيومين عن طريق ممثلي جبهة الاتحاد الوطني في حركة الضباط الاحرار وبعض الاحزاب ابلغت قواعدها لاستقبال طارئ الاحداث . ( 1)
. وهذا ما حصل يوم الانتصار العظيم في صبيحة الرابع عشر من تموز الخالد . والذي انجز بالتحالف بين حركة الضباط الاحرار التي تشكلت من العناصر الوطنية القومية والديمقراطية التي نسقت نشاطها وتعاونها مع فصائل جبهة الاتحاد الوطني . حصيلة التنسيق والتعاون والعمل المشترك حقق سرعة الانتصار , وخصوصا التفاف جماهير واسعة من ابناء الشعب العراقي التواق الى الحرية والتقدم والذي عانى الامرين من تسلط النظام الملكي شبه الاقطاعي . وقد وضحت هوية الثورة منذ الساعات الاولى لإعلانها عبر البيانات والمراسيم الجمهورية التي توالت من دار الاذاعة وخصوصا الاعلان عن تغيير النظام الملكي الى نظام جمهوري , والإعلان صراحة عن معاداة الاستعمار وانتهاج سياسة وطنية تحررية بعيدا عن الاحلاف العدوانية , واحترام مبادئ مؤتمر دول باندونكَ هذه كانت بمثابة الاعلان الرسمي لهوية الثورة واصطفافها مع قوى الخير وحركات التحرر الوطني ,ذلك الاعلان عن النهج الوطني للثورة جعل الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة وبريطانية وفرنسا وأعضاء حلف المعاهدة المركزية او ما يطلق عليه حلف بغداد الى التحرك السريع لإسقاط الجمهورية الفتية في الساعات الاولى من انتصارها , لكن الموقف الحازم الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي القائم وقت ذاك ومجموعة الدول الاشتراكية وبعض بلدان وحركات التحرر الوطني فوت الفرصة من التدخل في الشأن الداخلي العراقي .. والذي ورد في الموقف السوفيتي من خلال الانذار الذي يتذكره من عاصر الحدث الهام قي تلك الايام الخالدة ..والذي جاء فيه (اي تدخل في الشأن العراقي لم يقف الاتحاد السوفيتي مكتوف الايدي ازاءه ) وكان لاعتراف الاتحاد السوفيتي بالنظام الجمهوري بعد الجمهورية العربية المتحدة ودول المنظومة الاشتراكية قوة دعم مادي ومعنوي لقادة الثورة وابناء الشعب العراقي الذي بحاجة الى التغير وتحقيق الانجازات لصالحه ..فكان اصدار قانون الاصلاح الزراعي . ودستور مدني مؤقت في البلاد . واطلاق سراح السجناء والمعتقلين وعودة المنفيين السياسين . واعتبار الذين اعدموا بسبب معاداة النظام شهداء الوطن . والخروج من حلف بغداد . وتحرير الاراضي العراقية من القواعد الاجنبية والخروج من دائرة الجنيه الاسترليني , واصدار قانون الاحوال الشخصية 188 وتعزيز علاقات التعاون مع الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية , وتشريع قوانين تخدم مصالح العمال والفلاحين وسائر الشغيلة , وتحديد ساعات العمل . وإجازة الصحف والأحزاب وحرية العمل النقابي , وكذلك القانون رقم 80 الذي حرر 99% من ارض ثرواتنا النفطية التي كانت تستغلها الشركات الاحتكارية النفطية .
انها انجازات متعددة الجوانب وفي شتى الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحققت خلال اربع سنوات من عمر الثورة , مما جعل القوى المتضررة من تلك التحولات ان تجمع قواها في تحالف عمل باتجاهات مختلفة من اجل الاطاحة بالثورة وانجازاتها بالاستفادة من الدعم الاقليمي والعربي الذي اصيب بالذعر والهلع من انتصار الثورة , وكذلك الدول الاستعمارية التي تضررت مصالحها من القوانين التي شرعتها حكومة الثورة والتي اصابتها في الصميم . واستطاعت تلك القوى ايضا من التزلف الى بعض قادة الثورة ودق اسفين العلاقة بين القوى الوطنية والديمقراطية الداعمة والمؤيدة للتشريعات والقوانين . والالتفاف في التطبيق الجدي لبعض تلك القوانين كالإصلاح الزراعي مستفيدين من بعض موظفي الجهاز الاداري الذي لم يشمله التغيير الا في جزء يسير منه . وحصل مقابل ذلك ايضا انفراط في عقد جبهة الاتحاد الوطني لعام 57 19 م . وتصاعدت حدة الخلافات بين بعض قادة الثورة والقوى الاساسية الداعمة للثورة وانجازاتها . وجرت حملة مضايقة للحريات ومحاولة تحويل النقابات والاتحادات المهنية التي جرى اختيار قادتها بانتخابات ديمقراطية , الى نقابات وجمعيات صورية تابعة للسلطة بشكل غير مباشر . وما زاد الطين بله نشوب القتال في كردستان العراق في ايلول عام 1961حيث اخذت القوى الشوفينية العربية والكردية من التصعيد لتحقيق مصالحها وإضعاف العلاقة العربية الكردية التي كانت حجر الزاوية في استقرار البلاد والأمن الداخلي , وتزامن مع ذلك الهجوم على الحريات الديمقراطية , وإغلاق الصحف التقدمية ورفض دعوات احلال السلم في كردستان حقنا للدماء وحملات الاعتقالات والمطاردات ومحاولات إسكات الاصوات التي تطالب بالحريات الديمقراطية , واتسعت السجون والمعتقلات بضحايا الدعاوي الكيدية التي طالت العديد من الوطنيين والنهج اللاديمقراطي الذي اخذت تمارسه السلطة ضد من وقف الى جانبها حتى اخر لحظة من اغتيالها دفاعا عن المنجزات المتحققة .
كل تلك الاجراءات والممارسات اوجدت الارض الخصبة لوحدة القوى المعادية لثورة الرابع عشر من تموز وعززت من مكانتها وبسط نفوذها على اجهزة الدولة في معظم مواقعها وخصوصا الامنية . اضف الى ذلك الدعم الدولي والإقليمي كل ذلك كان حصيلته يوم الثامن من شباط عام 1963 المصادف يوم الرابع عشر من رمضان من ذلك العام في ابشع انقلاب دموي عرفه التاريخ راح ضحيته المئات من خيرة ابناء شعبنا الذين وقفوا دفاعا عن مكاسب الرابع عشر من تموز واعاد للهيمنة الاستعمارية وجودها على الساحة العراقية واستنزاف للطاقات البشرية والمادية في استمرار الحرب في كردستان وتعطيل الانجازات التي حققتها ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وتصفية قادتها
ونحن اليوم نعيش الذكرى الخامسة والخمسون لانتصار تلك الثورة التي تحققت بوحدة ارادة الجيش والشعب في تنفيذها لابد من استخلاص الدروس من اسرار نجاحها وما تحقق من انجازات هامة في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لابد من اعادة النظر في تقييم ذلك اليوم الخالد واعتباره عيدا وطنيا وتكريم قائد الثورة الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم ومن استشهد دفاعا عن ثورة الرابع عشر من تموز
عاشت الذكرى الخامسة والخمسون لثورة الجيش والشعب في الرابع عشر من تموز 1958
( 1 ) سيرة مناضل الجزء الاول صفحة 207