المنبرالحر

يوم أسود آخر / قيس قاسم العجرش

مرّة اخرى ينتصر التطرف وتعلو كفّ الهمجية الوقحة.هذه المرّة في باريس والضحايا 12 من زملاء المهنة.
أقول»ينتصر» لأن القانون وحقوق الإنسان ومبادئ المساواة الإنسانية «فشلت» كلها في تمييز الوحوش التي كانت تعتاش باسم هذه المبادئ في اوروبا، وتستقوي تحت راية الليبرالية وحرية التعبير التي لم تفهم منها سوى اقتحام مقر صحيفة لتعيث فيها ذبحاً وتقتيلاً للزملاء العزل فيها.
«فشلت» اوروبا مرتين، مرّة حين عجزت قوانينها عن التعاطي مع التطرف وتطويقه ومنعه من أن يسمم هواء الحرية والديمقراطية، فمنحت حقوق اللجوء بلا مراعاة او اعتبار لعزل الأصوليين التكفيريين.
ومرة اخرى حين عاد الينا هذا التطرف على شكل»جهاديين» اوروبين، يحملون جوازات لا تصدها او تستوقفها اي من مطارات العالم.
الى حين عقد مؤتمر باريس لحشد القوى ضد تنظيم داعش، لم تكن الدول الأوروبية تفعل ما يكفي لمنع هؤلاء المتطرفين من المجيء الى العراق ليصبحوا حميراً ملغومة تحصد آلاف الأرواح البريئة.
كما لم تكن الصحافة الأوروبية ترى في الحدث العراقي سوى تبسيط ساذج منحرف المعنى بأنه صراع طائفي: طائفة كانت تمسك بالسلطة وأخرى كانت خارج السلطة ثم انقلب ميزان القوى.
لم يكن احد يرغب في معرفة ان القتلة الإرهابيين وقادتهم إنما حملوا الجوازات الاوروبية في اوقات كثيرة من دورانهم حول الارض، قبل ان يأتوا الى ارض العراق ليدنسوها بأجسادهم المتفجرة.
للاسف ستتغير قناعات الفرنسيين تجاه العرب والمسلمين في انعطافة حادة هذه المرة.
وللأسف ايضاً فإن الضحايا ( مادة الإثبات) هم 12 صحفياً، مهّد لقتلهم العشرات بل المئات من معتلي المنابر.
وقبل ايام ليست بعيدة رأينا كيف ان شوارع بروكسل وبرلين شهدت تظاهرات لنصرة «دولة الخلافة !»، هذه الدولة التي قتلت من العراقيين في شهور اكثر مما فعلت الخلافتان الأموية والعباسية في عقود !
يوم اسود آخر لكل صحفي يؤمن بحرية التعبير ورسالة الكلمة.
يوم نكسة آخر لكل قانون اعور يمنع صحفياً من دخول اوروبا اشتباهاً بأنه قد يطلب اللجوء، بينما يمنح حق الإقامة لرجال «دين» افغان وشيشان.. كانوا يدربون الاطفال على صنع المتفجرات!
انها بداية دموية للصحافة في العام الجديد ولا تبشر بالخير ابداً. لكن لعلها تكون بداية الإدراك الحقيقي لحجم التطرف القاتل ووسائل نموه وطرق تسلله.