المنبرالحر

الارهاب والفساد في مرحلة التزاوج / د. محمود القبطان

لا يخفي على احد ما للإرهاب من تأثير هائل على مجرى العملية السياسية العراقية وما يرافق ذلك ترهل الدولة بالمسؤولين الزائفين مما خلق بيئة خصبة بالرغم من عفونتها للفساد الاداري والمالي والذي تعدى بدوره كل الدول في العالم.
قد يتبادر الى الذهن لأول وهلة هل للفساد الاداري والمالي من تأثير "ايجابي" للإرهاب. نعم وأكثر، حيث ان درجة صعود الارهاب الى مستويات عليا في التكتيك عبر احتلال ثلث اراضي العراق في "سفرة" لم يحسبوها هم انفسهم كل هذا أدى الى التغاضي عن نتائج هذه الكارثة حيث وبعد جهد جهيد اجتمعت اللجنة الجديدة للتحقيق في هذا الاحتلال الجديد ومتكونة من 28 عضوا تابعين لأحزاب وكتل برلمانية متنفذة حيث ليس بينهم من مختصين في هذا الامر الخطير وسوف تأتي النتائج ،إن اتت، متوافقة حسب أمزجة الكتل والاحزاب الحاكمة وتأخذ شهران حسب طلب رئيس البرلمان، لا احد يعلم لماذا كل هذه المدة الطويلة والعراق يعطي المزيد من الشهداء يوميا، وربما تأتي النتائج مخيبة للآمال ويُسفّر الخونة أو في احسن الأحوال تتم تبرئتهم من أجل عيون البعض.
أنا اعتقد كلما طالت فترة التحقيق كلما كثرت الممارسات اللاقانونية في تسويف التحقيق بهذا الشأن ويكون الخاسر الأول هو الشعب العراقي والذي يعيش قسم كبيرا منه في المخيمات كنازحين وفي أوضاع مزرية. وكلما استمر احتلال الارهابيين للأراضي العراقية كثر الفساد حيث هناك من هم مستفيدون من هذه الاوضاع الشاذة، فنرى مجاميع بالرغم من قلتها استغلت جهود الحشد الشعبي لتعيث في المناطق المحررة فسادا من قتل وحرق البيوت وتفجيرها، وفي هذا الخصوص نبهت عليها المرجعية الدينية والحكومة لابل حتى بعض الكتل المشتركة في الحشد الشعبي مما يزيد من الفساد المالي عبر الرشاوى المدفوعة لتلك المجاميع وبنفس الوقت يعطي العذر للقوى الارهابية لتزيد من قسوتها ضد الناس الآمنين، و يثير حفيظة القوى الطائفية وربما القبول بداعش في مناطقهم وحتى التعاون معهم، كما يحصل في كثير من الاحيان ،أما خوفا أو مقتنعين بذلك.
وحتى نصل الى بر الأمان علينا أولا القضاء على الفساد المالي والاداري، وهذا ما أشار اليه العبادي في آخر خطاب له قبل يومين وقال أن يدان اعضاء من حزبه اذا كانوا فاسدين ليكون الحكم على الآخرين حقيقيا. ولكن كيف يتم ذلك والمحاصصة تجذرت في الدولة التي يقودها العبادي، وهو يشير الى ذلك وبجرأة تحسب له، لأنه يعلم إن المحاصصة هي الرصاصة القاتلة للعملية السياسية. ثم يقول لماذا يبعد فلان لكونه من دين أو طائفة أو قومية معينه بالرغم من مهنيته وقدراته العلمية؟ لكن السيد رئيس الوزراء يبحر في بحر كبير ولكن بزورق صغير، الله يعينه، وأنا اتساءل لماذا لا يعاد السيد د.سنان الشبيبي الى البنك المركزي ويكون باسم جميل انطوان نائبا له، مثلا، او خبير قانوني غير حزبي على الاطلاق يكون مستشارا للعبادي لهذا الامر بدل وكيل وزارة الداخلية مستشارا امنيا له بعد فشله في الداخلية ؟ولماذا لا يعين احد الخبراء الصابئة في موقع مميز؟ كل هذا يحدث لان الاحزاب الطائفية والقومية اتت على تقسيم كعكة الدولة برمتها ولا تتنازل عن حصتها وإلا الانسحاب وتعطيل تشكيل الحكومة. اليوم وزير التخطيط الجديد سلمان الجميلي يقول الشراكة حقيقية في مجلس الوزراء، لكن هل يستطيع العبادي اعفاء احد الوزراء بسبب تلكأ عمله أو فشله في وزارته وتعيين آخر اكثر كفاءة من غير الكتل الحيتانية؟ يعترف السيد العبادي بأن ليس هناك أي حزب في البرلمان يتنازل عن مناصبه بالوزارة وتأتي بالكفوء من خارج ذاك الحزب. اكثر من محلل يعتقد ان هناك مشكلة حقيقية في القضاء والذي كان مسيرا بإرادة من سبق العبادي مما ترك للأخير تركة ثقيلة تطول فترتها قبل القضاء عليها، ولا يتم ذلك إلا باستبدال طاقم مجلس القضاء الاعلى، وأكثر أن من عيّن بعض رؤساء بعض المفوضيات مثل مفوضية الانتخابات وبعد فشل تلك المفوضية في التحقيق في التزوير في الانتخابات لفترتين ماضيتين فمن رئيس مفوضية الانتخابات الى عضو برلمان لكتلة رئيس الوزراء السابق. وكذلك يشمل هذا البلاء مجالس المحافظات والمحافظين حيث من فشل في ادارة عمله جاء ليكون نائبا في البرلمان ولنفس كتلة رئيس الوزراء السابق، وطبعا هذا يشمل باقي الكتل المحاصصاتية .رئيس الجمهورية يعين بنته سكرتيرة له مباشرة بعدما اصبح رئيسا للجمهورية وبراتب عال جدا. اليس هناك من شخصية اخرى جديرة وامينة كوردية او غير ذلك بأن تقوم بمهام السكرتير له ؟ ثم لماذا رئيس تشريفات رئاسة الجمهورية العاني له ثلاثة نواب؟ ولكن السؤال اولا واخيرا ما هو العمل الجبار والمضني الذي يقوم به ليعين له ثلاث نواب؟ الدولة العراقية غارقة في المستشارين والنواب والمدراء العاميين والحمايات في الوقت الذي يتوجب تجميع وتحشيد كل الجهود المالية والبشرية لتحرير الاراضي العراقية من مجرمي داعش ومن يقف ورائهم وفي الوقت الذي نشهد ترجعا في الواردات المالية نتيجة انخفاض أسعار النفط. كل هذا الفساد والفاسدين يجعل التربة خصبة للتزاوج السياسي للإرهاب سواء مع المجاميع الارهابية أو مع العصابات التي انتشرت في عموم العراق لاسيما في بغداد ومناطق الوسط والجنوب الاخرى، ومع كل الاسف لم تضرب بيد من حديد حقا للحد منها في القتل والخطف وترويع الناس. لماذا لا يسرع القضاء في النظر بقضايا الارهاب وبسرعة وانزال العقاب الصارم بحق من قتل العراقيين؟ لماذا يسرع نفس القضاء بالحكم على افراد عائلة متعاملين مع ابنها الارهابي الذي قُتل وتحكم عليهم ب 6 اعوام وباقي المجرمين القتلة ينتظرون أما تهريبهم بطرق الرشاوى أو الانتظار لحين صدور عفو لهم بتأثير العشائر؟
النتيجة التي يتوصل اليها كل متتبع أن الارهاب والفساد المالي والاداري لهم هدف واحد هو تحطيم الدولة العراقية ويبقى العراق يراوح في مكانه بين الدول التي لا بناء فيها ولا مال للأجيال القادمة ولا أمل لشعب عاش حروبا طويلة ومتعددة. وأما الحل والذي يريده العبادي ،وهو يواجه التهديدات، القضاء على المحاصصة وايصال الرجل المناسب الى المكان المناسب بعض النظر عن طائفته وقوميته ودينه، لكن هذا الجدار السميك الذي يريد العبادي تحطيمه تقف خلفه الحيتان الكبيرة والتي لا تريد أن تتنازل عن مواقعها وبسهولة بالرغم من وصولها الى حد التخمة ،وحتى يصل العبادي الى هدفه الغير معبد بالورود السياسية عليه أن يعتمد المهنية وتجاوز اخطاء سلفه وان يكون العراق وتقدمه هو هدفه السامي وليس المجاملات الحزبية .