المنبرالحر

فرنسا: أحداث "شارلي أيبدو" في الميزان..!؟/ باقر الفضلي

أحداث باريس الأخيرة في السابع من كانون الثاني/2015، ليست الأولى في تأريخ الذاكرة، ولا الأخيرة في مسلسل أحداث المستقبل، فلن يفصلنا عن ما أقدمت عليه الصحيفة الدانماركية من عملية إستفزازية ضد الملايين من معتقدي الديانة الإسلامية، إلا بضع سنوات، كما وليس بعيداً عن كل ذلك ما أقدم عليه الكاتب البريطاني سلمان رشدي، الذي هو الآخر في إقدامه على إستفزاز ليس ذي معنى ولا يمت بصلة للمعرفة والعلم والثقافة بشيء، بقدر ما منح الفرصة لتفجير ردود الأفعال في مختلف أرجاء المعمورة، لا لسبب يمت بشرعية منطقية أو معقولية، بل ولا حتى قانونية، ولكن، وفي جميع تلك الأحوال، كانت تختبيء الدوافع المحركة دائماً تحت عباءة " حرية التعبير"، دونما الإعتبار من الجانب الآخر، الى حرية المعتقد، أو حتى إحترام حدود مشاعر الناس على إختلاف مذاهبهم وعقائدهم، التي كرستها دساتير العالم المختلفة وشريعة حقوق الإنسان، لدرجة باتت معها قاعدة " حرية التعبير" ، وكأنها المتراس الذي يمكن لكل من شاء، أن يتدرع به لنيل ما يريد؛ متناسياً معه حجم ردود الأفعال والتداعيات السلبية التي يمكن أن تستتبع ما يقدم عليه من فعل قد يدخل في إطاره العام، تحت قاعدة " حرية التعبير "، الأمر الذي يصعب معه تجنب النتائج السلبية للفعل المذكور..!!؟
فأحداث باريس الأخيرة في السابع من كانون الثاني/2015 وما بعدها، ومع كل ما قيل بشأنها، لا تخرج في جوهرها، عن واقع ردود الفعل على ما أقدمت عليه المجلة الاسبوعية " شارلي أيبدو" الباريسية، من نشرها لصور أستفزازية مسيئة لمعتقدي تلك الديانة، سبق وأن نشرتها قبلها أحدى الصحف الدنماركية قبل سنوات، وما إستتبعها من تداعيات وردود أفعال، غلب عليها التطرف حدوداً جاوزت الأغراض والمقاصد، التي إستهدفتها الصحيفة..!؟؟
وتتكرر اللعبة الإستفزازية اليوم، وكأنما المجلة الاسبوعية " شارلي ايبدو" نفسها، كانت تنتظر النتائج وردود الافعال التي صاحبت أحداث الأربعاء الماضي الدامية في باريس، والتي راح ضحيتها 12 شخصاً من الإعلاميين ومن رجال الأمن، فإذا بها ومن نفس منطلق ردود الفعل على الحدث، تعلن عن أصدار عددها الجديد من الصحيفة وبثلاثة ملايين نسخة جاوزتها فيما بعد الى خمسة ملايين أخرى، وهو يحمل رسماً كاريكاتيرياً أستفزازيا جديداً، لا يخرج في مبتغاه ومرماه عن مقاصد الرسم الاول، دونما إعتبار للدروس التي ألهمتها أحداث الأربعاء الماضي في باريس أو تلك التي سبقتها، والتي لا زال أوار إشتعال نيارانها يعصف بالعالم وكأنه عقاب لا يمكن تفاديه..!؟؟(1)
فتناوب الفعل وردود الفعل، تبدو في سياق الأحداث وكأنها أمر قد خطط له مسبقاً، من قبل المحركين أو الماسكين بآليات الحركة لتتكامل صورة مشهد العنف، الذي بات يسود أرجاء العالم، وبالذات منطقة الشرق الأوسط ، وليسهل الطريق أمام قوات التحالف الدولي، لتجد أجواء المنطقة وبحارها وأراضيها، مفتوحة أمام حاملات طائراتها وخبرائها ومدربيها العسكريين..!؟(2)
هذا في وقت لا يفوت فيه على الأذهان التأثير السلبي لأحداث باريس، على المزاج الأوروبي والغربي عموماً، الذي أخذ مؤخراً في الإنعطاف بالإتجاه الصحيح الذي بات ينصف الموقف الفلسطيني في دعوته العالم للإعتراف بدولته الوطنية الديمقراطية المستقلة..!؟(3)
فليس ما تعرضت له المجلة الفرنسية الأسبوعية الساخرة، " شارلي أيبدو" من هجمة دموية، إلا مثال يعكس الكثير من أوجه الشبه مع ما قد تمت الإشارة اليه، كما وليس غريباً بعد ذلك، أن تتطابق دوافع الأفعال والدوافع المضادة لها والتي تقف وراء ردود الأفعال المعاكسة في نسق فكري متشابه، أو على أقل تقدير متقارب من حيث السبب والنتيجة، وفي كلتا الحالتين، يمثل ذلك خروجاً على الشرعية القانونية والمباديء الدستورية، وهو أمر يبدو من حيث الواقع، قد تحكم بمسيرة الإعلام الفرنسي والأوروبي لحد ما، وذلك ما يفسره إصرار المجلة الفرنسية المذكورة، على إصدار عددها الجديد بعد الأحداث، بنفس روحية رد الفعل، وبعيداً عن روح التهدئة ومنطق التعقل والإعتدال، وهو ما عبر عنه بصريح العبارة السيد باتريك بيلو أحد كتاب المجلة الفرنسية الساخرة، مبرراً بأسباب غير موضوعية ولا منطقية، دوافع المجلة التي تقف وراء نشرها للصور المسيئة، والجارحة لمشاعر ومعتقدات المسلمين..!!؟(4)
فالسير على نفس هذا النهج والمنوال، والتمسك به كثقافة وممارسة، إنما يؤكد حقيقة الموقف المزدوج من محاربة " الإرهاب " ، الذي تقفه ولا زالت، كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة والدول الغربية ومنها فرنسا؛ فمثال موقف تلك الدول مما تعرضت له المجلة الإسبوعية الفرنسية من هجمة دموية، ومحاولة طمس أسبابها، فيه من الدلالة ما يعزز تلك الحقيقة، ويؤسس للشرخ بين شعوب البلدان ذات الأديان والعقائد المختلفة، ويفتح الطريق واسعاً امام ردود الأفعال، التي لا حدود لها، كما وإن النظر للأحداث فقط من زاوية النتائج، والتغاضي عن أسبابها، إنما يصب في خندق المستفيدين منها، ويحقق مصالح كل من جعل من سلاح الإرهاب الوسيلة المثلى للوصول الى أهدافه..!؟(5)