المنبرالحر

تمساحٌ يلعب / قيس قاسم العجرش

في القانون الدولي، يختبئ ما يقرب من 200 تعريف لغوي مختلف للفعل الإرهابي. كان هذا عام 2000. ثم جاءت أحداث 11سبتمبر لتفتح شهية فقهاء القانون الدولي لإعادة التعريف، كي يشمل كل أنواع الحالات التي قد تخطر على بال إرهابي مسكون بالإجرام.
لكن البشرية جمعاء بعقلها الكلّي لا تحتاج بالضرورة الى تعريف لغوي متكلّف للغاية، من أجل فهم شيء تفهمه البديهة.
ورفض الجريمة هو نزوع إنساني.
عام 2008 اضطرّت ادارة الرئيس جورج بوش الى تقديم قانون يرفع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من قائمة المنظمات الإرهابية، فضلاً عن تغيير التعريف القانوني للزعيم الكوني نيلسون مانديلاً من"إرهابي"الى "مكافح وطني" وهو الأمر الذي قالت عنه كوندليزا رايس آنذاك إنه يتسبب بإحراج كبير مع رجل حائز على جائزة نوبل للسلام.
المسألة كلها تدور في صحن الفهم الدلالي للحدود التي تفصل الإرهاب عن الافعال الكفاحية التي تستخدمها شعوب الارض من أجل حريتها. وليس صحيحاً أن "العنف" هو الفيصل في التعريف كما ليس صحيحاً ان الطرف الذي يمارس العنف على سبيل كفّ الأذى وتأمين الحياة، يمكن أن نرفع في وجهه بسهولة تهمة الإرهاب.
هذه تفعلها عقول السياسة النفعية ولا تفعلها الضمائر الإنسانية.
رفع حزب العمال الكردستاني مثلاً السلاح أول ما رفعه بوجه داعش بعد أن استباح التنظيم العدمي الموصل، وأنقذ هذا السلاح عشرات الآلاف من الابرياء العزّل في سنجار في وقت كانت الإدارة الأميركية تصنّف فيه الحزب على أنه"منظمة إرهابية". ولغاية مؤتمر باريس لمكافحة الإرهاب الذي تكاشفت فيه الدول الغربية لبعضها البعض عن" إعتباراتها" ومفاهيمها عن الفعل الإرهابي، كان المواطنون الأوروبيون المتورطون بتجنيد الإنتحاريين وإرسالهم الى العراق للإلتحاق بداعش لا يُعدّون"إرهابيين" تماماً في المقاييس القانونية الأوروبية.
عشرات الأوروبيين القي القبض عليهم وتكرر الإفراج عنهم رغم علم السلطات اليقيني هناك، بأنهم متورطون في إذكاء العنف في العراق وسوريا وتجنيد الإنتحاريين. وبالعودة الى أحد الاخوين"كواشي" المشاركين بجريمة صحيفة"شارلي إيدو" الفرنسية نجد انه سبق أن أعتـُقل بسبب عضويته في شبكة تجنّد الإنتحاريين وترسلهم الى العراق لكنه نال 18 شهراً فقط من السجن ومع وقف التنفيذ!.
لم يحدث هذا مع "كواشي" لأن فرنسا كانت راغبة بالتساهل، إنما لأن الفهم الإجتماعي الفرنسي لم يكن قد صُدم بعد بعواقب أن يربّي الناس التماسيح في حماماتهم المنزلية.
اليوم أوروبا تتغير، ومعاني الإرهاب ستتغير...فهل سنتمكن (نحن الضحايا) من مغادرة دور الضحية الصامتة؟
سؤآل برسم التماسيح الكونية!