المنبرالحر

الفساد والإرهاب توأمان لا يفترقان أبداً / مصطفى محمد غريب

لم يخل العراق يوماً وفي كل العهود من الفساد ولكن بنسب متفاوتة بين عهد وعهد، ولا تخلو أكثرية البلدان في العالم من الفساد لكن ليس على مستويات متدنية تصل لحد الرشاوى لتمشية ابسط معاملات المواطنين، وهناك فرق ما بين عراق اليوم وهذه البلدان في نسبة الفساد في المال العام والإدارة وقطاعات التجارة والبطاقة التموينية وعمليات شفط النفط ليستقر في الجيوب الخاصة ومقدار "القومسيونات " الكبيرة وصفقات السلاح بكل أنواعه وطرقه العلنية والسرية في العراق، وليس فيها كما في العراق عشرات الآلاف من الفضائيين الذين يرهقون اقتصاد البلاد ويسرقون المال العام وهم لا يقدمون أية خدمة نافعة لها، ولا نهدف الآن أن نتتبع ونحلل أساليب الفساد في العهد الملكي أو فيما ذلك بعد ثورة 14 تموز 1958 أو عهدي الأخوان عارف لكننا نشير بشكل سريع حول الفترة ما بعد انقلاب 17 تموز 1968 بشكل عام عن الفساد الذي ضرب اطنابه في أكثرية مرافق الدولة بما فيها الجيش والشرطة بعد حرب الخليج الثانية والهزيمة العسكرية التي لحقت به بعد الانسحاب من دولة الكويت وبخاصة أثناء الحصار الاقتصادي الذي طال فيه فساد الرشاوى حتى جهازي التعليم والقضاء وبهذا صارت الدولة ومن قيودها عبارة عن مجموعة من مافيا للسرقة والجريمة .
لقد تطورت عمليات الفساد وأصبحت آفة فعلية بعد الاحتلال وسقوط النظام حيث تحكم في مفاصل الاقتصاد البعض من السياسيين المتنفذين وأحزاب الإسلام السياسي، ومنذ عهد الحاكم المدني الأمريكي بريمر وتشكيل أول حكومة عراقية بقيادة أياد علاوي ثم مجيء إبراهيم الجعفري وما بعده نوري المالكي وهما من حزب الدعوة وضمن التحالف الوطني الشيعي تنامت وسائل وآليات الفساد وتطورت فلم تسلم دوائر الدولة من التلاعب والرشاوى والفساد حتى أصبح الداخل إليها يشعر وكأنه في عالم ليس له علاقة بالدولة وبالقوانين أو الأصول الإدارية فإذا لم يدفع المعلوم فلا معاملة تسير بشكل طبيعي ولا قضية تنجز بشكل صحيح بل سيكون الأمر على طاولة الانتظار شهوراً وأياماً طوال وقد تضيع المعاملة بحجج ومقالب لا حصر لها، هذا الحال المزري الملازم لحياة المواطن إضافة للوضع الأمني السيئ والحياة الاقتصادية الصعبة جداً وسوء الخدمات والبطالة والفقر فإذا ما أضيف لهذه الحالة الفساد المالي والإداري الذي لا يقل عن جرائم الإرهاب والميليشيات الطائفية خطورة ويلحق بالبلاد أضراراً لا حدود لها فذلك قمة المأساة للمواطنين، وقد أشار رئيس الوزراء بحق السيد حيدر العبادي بأن "الفساد آفة، والفساد ليس فقط سرقة المال العام، بل هو من يقوم بالهدر في المال والتقصير في أداء الواجب والساعات المخصصة للعمل"،وعلى يبدو أن لجنة النزاهة النيابية **عازمة أكثر من السابق على ملاحقة الفساد في مرافق الدولة وفي مفاصل المحافظات وهي على ما يظهر جادة في تقصي الحقائق من خلال تشكيل لجنة لتقصي الحقائق وهذا ما صرح به رئيس لجنة النزاهة النيابية "طلال خضير الزوبعي " حول المشاريع التي لم تنفذ في محافظة بغداد مؤكداً على ضرورة نشر النتائج بشكل علني لكي يتم " إحالة المقصرين إلى القضاء " وبهذا الصدد أعلن عن وجود مقاول يملك ( 8 ) شركات لم يقم بتنفيذ مشاريع قبض عنها مقدما ( وتظهر الوثائق تسلم المقاول سلفا مالية لمشاريع تنمية الأقاليم خلافا للتعليمات ) وبدلاً من التنفيذ اشترى أراضي بعمان في الأردنبقيمة ( 70 ) مليون دولار وقد كُشف عن هذا المقاول " المزدوج الاسم " بأنه يملك جوازي سفر عراقية حصل عليهما عن طريق التزوير ونشرت السومرية نيوز/ بغداد بتاريخ 11/1 / 2015 ارقامهما الأول " المرقم (A6298338" الصادر في 4 / 2 / 2013 والثاني يحمل الرقم " A5305636 " الصادر بتاريخ 9 / 12 / 2009.
وقد تبينَ إن هذه القضية التي حدثت في محافظة بغداد ليست بالوحيدة في عالم الفساد الذي استشرى أكثر فأكثر حارقاً الأخضر واليابس في الكثير من المعاملات والاتفاقيات التي جرى التلاعب فيها من قبل البعض من المسؤولين، وفي مثال آخر فقد كشفت لجنة النزاهة عن رصد مبلغ 3 مليار و400 مليون دينار لمنتدى الشعلة الرياضي في عهد الوزير السابق وأشارت أن "المقاول الذي تسلم موقع العمل اخذ أموالاً كبيرة من المبلغ وهرب بها، حيث تعطلت جميع الأنشطة الرياضية والثقافية في المنتدى".
لا يمكننا أن نعدد حالات الاختلاسات والاستيلاء على المال العام جهاراً وتحت قُبعة البعض من المسؤولين في الدولة أو مجالس المحافظات وهي تحتاج إلى جهود جماعية وتحقيقات عديدة للكشف عن المليارات من الدولارات التي أودعت في بنوك خارجية عربية وأجنبية كي يتم استرجاعها والاستفادة منها، وهي مسألة تحتاج إلى تحرك سريع وفعال من قبل الحكومة العراقية الحالية و لجنة النزاهة الذي أشار مديرها العام" باسم جاسم " في هذا الصدد أن "هيئة النزاهة تحتوي على دائرة لاسترداد الأشخاص والأموال المهربة ولن تمنع المناصب وصلة القرابة من أي مسؤول عن جلبهم إلى العراق ومحاكمتهم "وهكذا تبيَنَ إضافة إلى استمرار الفساد في الكثير من المحافظات فان الفساد يضرب اطنابه في أمانة بغداد التي تفوح منها عمليات التجاوز والاختلاس من خلال إعطاء المشاريع أو المقاولات للبعض من الذين لم ينفذوا فقط ما عليهم من التزامات لا بل هربوا بالأموال إلى خارج البلاد، وأشار "ريبوار طه" العضو في لجنة النزاهة و نُشر في وكالة اليوم الثامن 16/1/2015 إلى" وجود ملفات فساد كبيرة في الحكومة السابقة، مطالبا بمحاسبة المسؤولين المقصرين والفاسدين ".
إن آفة الفساد التي تضرب البلاد لا دواء لها سوى الكي بالقانون والعدل الملزم وبحكومة وطنية تضع مصلحة الوطن والشعب نصب عينيها ولا تتهاون مع إي ظاهرة تؤدي إلى كارثة من الصعب التخلص منها، الفساد والحرامية توأمان متلازمان كما هو حال الإرهاب والفساد........ اسمحوا لي في هذا المقال أن العن بالقلم الرفيع وأقول
ـــ اللعنة عليكم يا أصحاب الضمائر الخربة أيها الحرامية اللاشرفاء لا في الدين ولا في الأخلاق ولا في الوطنية ولا في السياسة في كل مكان في بلادي، الذين يسرقون قوت الشعب الم يحين الوقت للعدالة والقانون أن يأخذا مجراهما ؟ ـــ أنا المواطن العراقي، شاعر وكاتب معروف بكتبه ودواوينه ومقالاته التي تعد بالمئات والتي تُرجم البعض منها إلى لغات أخرى، سجنت وطوردت حتى خرجت من العراق تاركاً عائلتي وأولادي الصغار بدون معين والذين تحملوا الظلم والملاحقة والتتبع وإرهاب السلطة البعثية ومؤسساتها المخابراتية والأمنية والحزبية ولم يتركوهم ولا لحظة حتى سقوط نظامهم الدكتاتوري الفاشي، عدت ولست الوحيد وكنت على أمل أن أعود فأرى حقبة جديدة من الخير والأمان والبعض من العدل للمظلومين والمقهورين من أبناء شعبي الفقير والكادح، على الرغم من كراهيتي للاستعمار ثم الاحتلال والحكام الدكتاتوريين وحبي للحرية والديمقراطية لكني ماذا وجدت .. شلل من أقطاب النظام السابق وقد سرحت لحاها ولبست المحابس الفضية ذات الأحجار الغالية المختلفة الألوان مختبئين تحت مظلة الطائفية والدين الإسلامي، ورأيت بفضل الفساد والمحسوبية والانتهازية البعض في أحزاب الإسلام السياسي قد استغلوا مناصبهم الحكومية والحزبية والطائفية، ورأيت اللصوص والحرامية المغتنين بطرق مختلفة لا شرعية وقد استولوا على القصور والبيوت وأجمل الأراضي، ورأيت ما رأيت من الأثرياء الجدد الذين أصبحوا من أثرى الأثرياء حيث يملكون من المليارات والملايين من الدولارات والقصور والفلل والسيارات الفارهة في الداخل أو في العديد من بلدان المنطقة والعالم وأرصدة بالمليارات في بنوك ومصارف خارجية وعشرات الفضائيات والشركات حتى الوهمية، ولست هنا أريدها شخصية أو ذاتية فماذا افعل مع المثل " القناعة كنز لا يفنى " ؟ هذا المثل البائس المورفين الذي يحشوه في راس المواطنين البسطاء ليقنعونهم بالرضى والسكوت عن الفواحش والسرقات، أقول ـــ أنا المواطن وهناك مئات الآلاف من المواطنين مثلي ،لم أجد لنفسي بعد عودتي من التشرد والغربة والملاحقة الإرهابية " سنتمتراً واحداً اركن إليه في وطني.. لا مكان صغير جداً أترزق منه إلا السؤال ـــ من أية جهة أو حزب، ثم استفسار مخفي ـــ سني أم شيعي..الخ"، مواطن أفنى حياته منذ العهد الملكي لسعادة وطنه وخير شعبه فوجد بدلاً من ذلك من دمر البلاد من الدهاقنة الفاسدين المترفين المتمتعين بقوت الشعب بدون حق إلا اللهم التستر والدعم ووجود الظهير القوى الذي يقف معهم ويدافع عنهم.. أنا لست قانعاً لا لأنني لم احصل على نفع مادي ولكنني حصلت على شرف انتمائي الوطني والطبقي كما حصل عليها عشرات المثقفين الوطنيين الشرفاء الذين مازالوا يعانون الغربة والتشرد والحاجة، وأنا بصراحة لا أؤمن بالمثل الامتثالي " القناعة كنز لا يفنى " لان ملايين البشر الذين ناضلوا أو قتلوا في الحروب وفي السجون والمعتقلات ومن الفقر والجوع وبسبب الظلم والإرهاب والقتل كانوا لا يؤمنون بهذا المثل الذي يجعل السكوت عن الظلم والفساد قناعة تؤدي إلى الخنوع والامتثال الأعمى للقهر والتخلف والتجاوز على حق الإنسان وحقوقه المشروعة بحياة كريمة وعدالة اجتماعية واعدة، نعم لا بد من الصراخ بدون توقف الإرهاب والفساد تؤأمان ملتصقان لا يفترقان أبداً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** توضيح مهم : : فضحت هيئة النزاهة في مؤتمرها الصحفي بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية يوم السبت 17/1/2015 ما عدا إقليم كردستان تورّط مسؤولين كبار في الحكومة من بينهم ( 6 وزراء و 53 مديراً عاماً أو من هم بدرجات خاصة وذكرت أسماء البعض من الوزراء ) والتقرير لم يتضمن نينوى والانبار بسبب الأوضاع فيهما، ولم يتضمن المؤسسات الأمنية الدفاع والداخلية ، كما أن الكثير من المسؤولين لم يقدموا إقرارات ذممهم المالية إلى الهيئة منهم نائب لرئيس الجمهورية ونائب لرئيس الوزراء و ( 9 ) وزراء وفقط استجاب ( 53 ) نائباً من المجموع الكلي البالغ ( 328 ) نائباً وذكرت الهيئة المبالغ في قضايا الفساد أكثر من ( 330 ) مليار دينار .. ونؤمن بالقول الحكيم " المخفي أعظم ".