المنبرالحر

تهميش الشباب في مشروع قانون الاحزاب السياسية / هادي عزيز علي *

طرحت السلطة التنفيذية في حينها مشروع قانون الاحزاب السياسية الذي اشعل جدلا لم ينقطع حتى مع وصوله الى اللجان المختصة في مجلس النواب لما تضمنه من احكام مبادىء تبتعد عن تلبية طموح المواطن في التأسيس لدولة مدنية , لذا كان لجهد منظمات المجتمع المدني والمعنيين بهذا الشان في طرح مقترحات وحلول لكي تكون مسودته اقرب للقبول .
ومن تلك المواضيع التي لم تكن محلا للقبول هو نص المادة 9 الفقرة ثانيا التي جاءت نصا : )المادة 9 - يشترط فيمن يؤسس حزبا ان يكون : -
ثانيا - اكمل الخامسة والعشرين من العمر، ومتمتعا بالاهلية القانونية) .
ان هذا السن يبعد الكثير من فئة الشباب من الدخول الى المعترك السياسي، في الوقت الذي يكون فيه الوطن في امس الحاجة الى جهدهم ومثابرتهم وفي هذه المرحلة بالذات من اجل تحمل مسؤولية مرحلة البناء والتاسيس، ولنا ان نتصور العدد الكبير من الشباب الذي يحيله هذا النص الى التهميش والعطل،ومن دون الاستفادة من تجارب الدول الاخرى التي تناولت هذا الموضوع وسنت قوانين شملت الشباب به لمجرد بلوغ سن الرشد، كما لم يعطنا النص سببا او تبريرا للوقوف عند السن الوارد في المشروع .
فعلى الصعيد القانوني ولامن الجانب الحرفي فيه نجد ان القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 قد نص في المادة (106) منه على :- (سن الرشد هي ثمان عشرة سنة كاملة). كما ان قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 المعدل قد نص في المادة )3) فقرة (أ) على : (الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد وهو تمام الثامنة عشرة من العمر ...) . فضلا عن ان قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل نص في المادة (3) فقرة رابعا على:(يعتبر الحدث فتى اذا اتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة). كما ان قانون الاحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 المعدل نص في المادة السابعة فقرة (1) على: (يشترط في تمام اهلية الزواج العقل واكمال الثامنة عشرة). يضاف الى ذلك فان اتفاقية الطفل المصادق عليها من قبل العراق واصبحت جزءاً من نسيجه التشريعي نصت في المادة (1) منها على : (لاغراض هذه الاتفاقية، يعني الطفل كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ...).
هذا هو اذن النظام التشريعي العراقي بخصوص سن الرشد الذي يؤهل العراقي للقيام بكافة التصرفات القولية والفعلية، فعند بلوغه السن المذكورة لا تصح الولاية عليه مطلقا ومن اي شخص كان، سواء كانت الولاية شرعية ام قانونية بعد هذا السن، الا اذا اصيبت اهليته بواحد من عوارض الاهلية،كالعته (المعتوه)،او الجنون، او السفيه او ذو الغفلة، فهذه العوارض تعطل الارادة والتي قد توجب الحجر وتنهض هنا الولاية والقيمومة للغير لمراعاة مصلحة المحجور وتمشية اموره، وما عدا هذه العوارض، فان الانسان يملك ارادته ويمكنه توجيهها وفق مصالحه مستندا الى النصوص القانونية الآمرة، ولا سلطان للغير عليه مهما استطالت قامته .
الا ان الدعوات التي تتناهى الى اسماعنا بين الحين والاخر من قبل البعض، بان هؤلاء الشباب قليلو الخبرة وحديثو العهد بالحياة، ولا يمكن تسليمهم مهاماً سياسية ومن غير المقبول الاطمئنان الى ادائهم، او انهم لا زالو صبية،لايصح ارتهان الوطن لديهم وحيث انهم كذلك بنظر ذلك البعض فلا يترك لهم الحبل على الغارب ويجب ضبط ادائهم ومراقبة تحركاته عن كثب، ويجب ان تخضع تصرفاتهم تحت اشراف الكبار، وعليهم طاعة اهل الحل والعقد، ويجب ان لا يتجاوزوا على كبار القوم، وكثيراً ما يبثون افكارا معبئة بالدوغما والموروث تحبط من عزائم الشباب ويفقدهم القدرة على اتخاذ القرارات منفردين، وبدلا من ان هؤلاء الشباب اعضاء فاعلين في المجتمع نرى تلك الافكار تلقي بهم في الحالة السلبية والانكفاء، مذكرين ان تصرف ذلك البعض اتجاه الشباب بالنصائح (المغرضة) تخرج نصائحهم مخرج الوصاية على شباب رغم تمتعهم بالاهلية القانونية الكاملة والبلوغ ومن دون سند في القانون او تسويغ منه، لا بل انهم يرتكبون مخالفة قانونية بذلك الفعل المنسوب اليهم فضلا عن كونه عملا معيبا من الوجهة الاجتماعية، ومن ذلك البعض الاشخاص ذاتهم الذين وضعوا مسودة قانون الاحزاب السياسية واشترطوا اكمال الخامسة والعشرين من العمر لغرض المساهمة في تاسيس حزب.
ويذكر في هذا الصدد المنجز التشريعي التونسي بوثائقه التشريعية الثلاث وهي الدستور وقانون الانتخابات وقانون الاحزاب التي تجنح نحو التأسيس للدولة المدنية, ومن المعلوم ان سن الرشد لديهم هو اكمال الثامنة عشرة من العمر. وبذلك فان المادة (6) من المرسوم المرقم 86 لسنة 2011 المنظم للاحزاب السياسية في تونس سمحت لذلك العمر من المساهمة في تاسيس الاحزاب، وزادت على ذلك بتمكين ممن لا تقل اعمارهم عن (16) سنة من الانتساب للاحزاب السياسية،وهكذا كانت للمعنيين هناك تلك النتائج الباهرة التي اضحت محلا يتباهى به التوانسة وبتجربتهم الديمقراطية تلك وجعلت الاخرين ينظرون بانبهار لهذه التجربة.
ولم يقتصر الامر على تونس وحدها. بل ان المغرب وبعد مايسمى بالربيع العربي ادركت هذه الدولة ما جرى وما يجري من احدات في العالم العربي وفي محيطها الاقليمي وعمدت الى اجراءات دستورية مهمة وتشريعات تنسجم مع التوجهات الدستورية تلك . منها قانون الاحزاب المرقم (29.11) لسنة 2011 الذي نص في المادة (5) منه على: (يجب على الاعضاء المؤسسين والمسيرين لحزب سياسي ان يكونوا ذوي جنسية مغربية، بالغين من العمر 18 سنة شمسية كاملة على الاقل ...).
هكذا اذن تقرأ الشعوب التجارب. وهكذا تتعامل مع المستجدات،انطلاقا من يقين حازم ان الشباب رصيد الامة ومادتها، وهم اهل للثقة لكي يتسلموا الشأن الوطني بمجرد بلوغهم سن الرشد كونهم الاحرص على مصير الوطن وسلامته ومستقبله. مع تخلي اهل الحل والعقد عن حلهم وعقدهم وفسح المجال للاجيال الآتية بعنفوانها وحيويتها وطموحها وقناعتهم لكي يباشروا بناء الوطن.
ان النزول بالسن القانوني لطالبي تاسيس الاحزاب الى مستوى ادنى مما هو مذكور في المشروع مطلب ملح يمكن شريحة الشباب من المساهمة في المشاركة في الشان العام وبناء الوطن، اذ نحن بأمس الحاجة لرفد العملية السياسية بالدماء الجديدة، خاصة وان المعترك السياسي بسجونه ومنافيه قد انهك شيوخنا وجعلهم يبحثون عمّن يتكئون عليه لاستئناف المسيرة نحو بناء الدولة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قاض وباحث قانوني