المنبرالحر

لماذا يعاد الفاشل الى الواجهة؟ / مرتضى عبد الحميد

في بلدان العالم المتطورة، وحتى المصبوغة بألوان ديمقراطية باهتة يعامل الفاشل في عمله، سيما اذا كان يحتل موقعاً مسؤولاً، بإبعاده عن هذا الموقع، والمواقع الاخرى ذات المساس بمصالح الناس وحقوقهم. واذا كانت الاضرار والنتائج التي نجمت عن توليه المسؤولية كبيرة، وسببت كوارث لمن اؤتمن على حياتهم وقوتهم وعلى حماية بيوتهم وعوائلهم، فسيحال الى المحاكم حتماً، لينال الجزاء الذي يستحقه.
في العراق تبدو المعادلة معكوسة، فمن أسرف في إلحاق الأذى بالعراقيين، ومن باع ضميره بأبخس الاثمان، ومن يفتقر الى الكفاءة والنزاهة، ومن وضعته الصدفة في مواقع لم يكن يحلم بها ابداً، تراه معززاً مكرماً، لا يخرج من وظيفته «السامية» إلا بشق الانفس، وربما بعملية قيصرية وبمبضع جراح من خارج الحدود، لينتقل بعد ذلك الى وظيفة اخرى، لا تقل مساساً بمصائر الناس ومصادر رزقهم، مواصلاً النهج ذاته، ان لم يكن اسوأ من السابق، ملحقاً المزيد من القهر والعذاب والدمار، بمن يضعهم حظهم العاثر تحت مسؤوليته، ودون ان ينسى ايام عزه الفارطة، والحلم بالعودة اليها مجدداً.
ومن اجل ذلك يستنفر كل ما في دواخله المريضة من نزعات غارقة في النرجسية وحب الزعامة والرغبة في الاستحواذ من جديد على كل شيء، وما يتصل بهذا الاستحواذ من نهم للحياة والنفوذ والاحترام، وان كان مفتعلاً وغير حقيقي.
ان هذا الصنف من الفاشلين لا يعمل وحده بطبيعة الحال، وانما لديه حاشية واتباع يزدادون عدداً وشراسة، كلما تسلق زعيمهم سلّم المسؤولية والعكس صحيح ايضاً، فتراهم يتقافزون من السفينة عندما توشك على الغرق، او هكذا يتصورون كما نراه الآن في عراقنا الجريح. ومع ذلك لا يمكن الاستهانة بامكانيات هؤلاء وخبراتهم في وضع العصي بعجلة المسيرة الجديدة التي يريد العراق انتهاجها، ودشنت عهدها بخطوات محدودة وبطيئة في الوقت ذاته، لكنها اعادت شيئاً من الامل الى نفوس العراقيين الذين إكتووا بجحيم الفاشلين والوصوليين، وكل اصناف الانتهازيين، وبضمنهم البعثيون الذين نقلوا البندقية من كتف الى كتف كما يقول المثل المتداول، لغاية في نفوسهم، او للبقاء في السلطة والحصول على حصتهم من كعكتها، مستغلين سذاجة البعض وقصر نظرهم السياسي.
في هذا الظرف العصيب الذي يمر به شعبنا، بوجود (داعش) والازمة المالية، والفساد والطائفية وكل مصائب الكون المجتمعة في عراقنا المسلوب الارادة، لا بد من اتخاذ الاجراءات الحازمة والكفيلة بمنع اي من هؤلاء الفاشلين من إلحاق المزيد من الاذى والاستهتار بمصائر بلدنا واسناد المسؤوليات، سيما الكبيرة والمهمة منها الى من يستحقها فعلاً، وتطبيق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب دون خوف او وجل من احد، وإلا سوف لن يقوم العراق من عثرته ويتعافى، بل سيواصل الانحدار الى حيث لا يريد احد من ابنائه الشرفاء والمخلصين.