المنبرالحر

ابو التشريبة واخوانه في الرضاعة / مرتضى عبد الحميد

أمّوري ابو التشريبة، أحد الشخصيات المهمة في مدينتنا الصغيرة المسالمة، اكتسب هذا اللقب لأنه لم ينجح في عمل حتى «المثرودة او مرگة هوه»، ولم يستطع إنجاز شيء مفيد في حياته، رغم أنه تقلد طيلة بضع سنوات، إدارة شؤون أكبر الحسينيات في المدينة. وقد اختير لهذا المنصب بعد ان تصارع من أجله الآخرون، فاختاروه كحل وسط للخروج من مأزق الأجر والثواب ولمن يكون؟!
وبدلاً من أن يؤدي الأمانة بصدق وشفافية، ويبرر الثقة فيه، أخذ يتصرف بأملاك الحسينية ووارداتها الكثيرة كما يسوغ له مزاجه، جامعاً المريدين حوله، موزعاً الهبات عليهم، ومحرضاً جمهور الحسينيات الأخرى على تركها والانضمام إليه، لأنه كان يريد البقاء في موقعه الى ابد الآبدين، بعد أن لمس الامتيازات والمكاسب التي صارت طوع بنانه، من أموال وأبهّة واحترامات مبالغ فيها. بيد ان الضرر الأكبر الذي ألحقه بالمدينة، وبأهلها الطيبين، هو تمزيق وحدتهم الوطنية والدينية، واللعب على وتر الطائفية المقيت، وبالتالي إذكاء روح التعصب الطائفي والقومي والعشائري.
لم يرض بطبيعة الحال بقية متعهدي الحسينيات والمساجد، ورأوا في هذه السلوكيات الغريبة عن تاريخهم وتاريخ المدينة كلها، ما يهدد وجودهم في الصميم، سيما عقب اجتياحها من قبل أغراب لا يختلفون عن الحيوانات إلا بالشكل فقط، بل هي أرحم منهم بكثير. فاضطر اهالي المدينة الى أن يحزموا امرهم، ويبعدوه عن ادارة الحسينية، وجاءوا بآخر، يبدو أنه استفاد من تجربة سلفه، فشرع في اصلاح ذات البين، مستهلا مشواره، بالسعي الجاد لكسب ثقة ابناء المدينة، مدركاً ان الشرف والوطنية والضمير الحي تقتضي إنصافهم، وخدمتهم وإنقاذهم مما سببه لهم «أبو التشريبة».
رباط الحكاية هو: كم من المسؤولين، ومن ذوي الشأن، يشبهون هذا النموذج البائس في طريقة تفكيرهم، وسلوكهم، واسلوب تعاملهم مع الآخرين؟
والأنكى من كل ذلك، هو ما نشاهده ونسمع به هذه الايام، من عودة غير ميمونة للممارسات السابقة، التي أوصلت البلاد، والعملية السياسية الى الحضيض، واقصد بها حالة الاستقتال السائدة بينهم، لإعلاء شأن الذات الخاوية، والمتسربلة بشتى أنواع العقد والأمراض النفسية، وبالجشع المادي والمعنوي، وبالتصيّد وتبادل الاتهامات والخطابات الإعلامية المتشنجة وممارسة لعبة الابتزاز السياسي، دون اعتبار للتحديات الخطيرة والصعوبات والمشاكل المزمنة، التي تطوق وتعبث بحياة حتى الذين يدعون تمثيلهم، عبر لعبة المكونات، او ما يسمى بـ»التوازن» جاعلين من أنفسهم أضحوكة للأجنبي الطامع في خيرات بلدهم، والساعي الى تمزيق صفوفهم، لضمان هيمنته، وتحقيق مصالحه البعيدة كل البعد عن مصالحنا وأهدافنا وطموحاتنا.
ان هذا الوضع الخطير والاستثنائي، يحتم على المخلصين لشعبهم ووطنهم، وبصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والحزبية والطائفية والقومية، توحيد جهودهم، وشحذ مهاراتهم، وإراداتهم لأنقاذ العراق من الذين لا يريدون الخير له، ولا يهمهم اي شيء سوى مصالحهم الذاتية الأنانية.