المنبرالحر

سائل وسائب! / قيس قاسم العجرش

عانى العراقيون الوقوف في طوابير الوقود على مدى سنوات، والأشد بينها كان تحديداً بين عامي 2004 و2008.
ونشطت في تلك الفترة مافيا تهريب المشتقات النفطية مثلما اجتهدت الحكومة آنذاك في تنويع مصادر الاستيراد وتكثيرها أو تكرير هذه المشتقات. وصرفت مبالغ ضخمة وصلت الى 200 مليون دولار شهرياً على الإستيراد ومع ذلك كانت الأزمة مستمرة. ولم تتراجع الأزمة إلا عندما أصبح سعر الوقود موازياً لما يباع به في دول الجوار.
ثم ظهر للناس جليّاً أن الشح هو (أحد) أسباب الأزمة وليس السبب الوحيد، فطالما كان لتر البانزين يُباع بسعرِ رسمي مدعوم (20 ديناراً) فإن المُتطفلين على دورة اقتصاد هذه الثروة سيزدادون ويتشعبون محققين أرباحاً خيالية من عمليّات التهريب.
وطالما إن الدول المجاورة كانت تبيع البانزين على شعوبها بأضعاف هذا السعر فلن يتوقف التهريب بكلّ المستويات.
وفي رحلة بريّة اذكرها من بغداد الى دمشق عام 2007 كان عدد ركاب الحافلة لا يزيد على 13 في حين كانت تتسع لأربعين شخصاً ومع هذا انطلق بنا سائقها وكانت تجرّ نفسها جرّاَ الى درجة زاد فيها وقت السفر 14 ساعة، وحين اقتربنا من دمشق بدأ السائق بسلسلة من التوقفات عند محطات الوقود، ولم أفهم حينها لماذا يتوقف عند ثلاث محطات متتالية إلا بعد أن أوضح لي راكب معي بأن سائق الحافلة إنما يبيع الكاز! على المحطات وإنه قد (حوّر) القسم الأسفل من الحافلة ليتسع لآلاف الليترات!. ولهذا كان مسيرنا بطيئاً للغاية.
ببساطة كان فرق سعر الوقود المهرّب أفضل مما لو كانت الحافلة قد امتلأت بالركاب.
الآن تراجع تهريب عصابات داعش للنفط الخام ليس بسبب الضربات الجوية وإنما لأن أسعار النفط الخام تراجعت عالمياً.
ولنتذكر أن الافراد لايمكن لهم الإستفادة من النفط الخام المهرب وهو على حالته الأولى، إنما يذهب بالضرورة الى مصاف لتكريره وبيعه على شكل مشتقات.
نتحدث هنا عن عمل منظّم يتجاوز حجمه 20 الف برميل يومياً كما تحدثت بذلك تقارير صحافية عالمية.
وطالما أن المسألة فيها أرباح فلا نتوقع من حرس الحدود في دول الجوار اي فعل ايجابي. هم لم يؤدوا واجبهم لمنع تسلل الإرهابيين فهل سيتحركون من أجل منع سيارات حوضيّة تحمل إليهم المال السائل؟.
القصة و ما فيها أن المال (السائب) يجلب السراق، سواء أكانوا أفرادا أم عصابات ام تنظيمات إرهابية أم أن يكونوا (دولة) تدعي انها تحارب الإرهاب.