المنبرالحر

خطورة العودة الى لغة الغالب والمغلوب / مرتضى عبد الحميد

في اول اختبار جدي، للتوافق السياسي، بين الكتل والقوائم الفائزة في الانتخابات الاخيرة، على توزيع الحصص في الرئاسات الثلاث، وفي تشكيل الحكومة الجديدة ومنهاجها الوزاري، وبفترة زمنية قصيرة نسبياً، واستبشار المواطن العراقي بامكانية انتقاله الى حياة حرة كريمة، تليق به، وبتاريخه، وتعوضه عن الظلم الذي لحقه، وهو ظلم مزمن، رغم ان الخمسين سنة الماضية، هي الأشد وطأة وعذاباً.
كانت مادة هذا الاختبار قانوني الحرس الوطني والمساءلة والعدالة، حيث نوقش مشروعاهما في مجلس الوزراء، وارسلا على عجل الى مجلس النواب لاقرارهما. وبدلاً من مناقشتهما بهدوء وموضوعية، وتعديلهما بما يلبي مصالح جميع الاطراف، تفاجأ العراقيون (والمفاجأة هنا مجازية، إذ لا شيء غريباً او مفاجئاً في العراق) بأن «حليمة» لم تعد الى عادتها القديمة وحسب، وانما جاءت هذه المرة بزفة عرس، يحف بها الكثير من سياسيينا ونوابنا، وهم يشكلون جوقة متناغمة، تردد بحناجر مصقولة بأموال الامتيازات، والسحت الحرام، الاغنية المشهورة: « عروسه والحبايب زافيها، حلو ثوب العرس لايگ عليها».
لم يدخر هؤلاء مع الاسف الشديد، شيئاً من عبارات التشكيك والتخوين والمتاريس المتقابلة، إلا وألصقوها بالطرف الآخر، في محاولة لاحياء تراث الحكومة السابقة، وشحن الشارع العراقي مجدداً، بكل ما يطيح بأمله، المنبثق بصعوبة من بين خروم وشقوق الطائفية، والمحاصصة والفساد، وكل مآسيه الطاحنة في ليله ونهاره.
وبجانب الاتهامات المتبادلة والشكوك وفقدان الثقة، نجد سوق الابتزاز السياسي، والسعي للحصول على اقصى ما يمكن من المكاسب والامتيازات الشخصية او الحزبية او الفئوية رائجة تماماً، لتلقي بكل الادعاءات عن مصلحة الشعب والوطن، وضرورة اعلاء رايتهما، بتوحيد جهود وطاقات الجميع، والتصدي لخطر «داعش»، وكل الارهابيين، ومن يقف وراءهم من الدول الاقليمية والبعيدة، فضلاَ عن معالجة ووضع الحلول لاكداس المشاكل والمعضلات التي « ينعم « بها شعبنا العراقي، لتلقي بها في سلة المهملات، بل في المستنقع الآسن ذاته.
كما تطفو على السطح من جديد لعبة التهديد بالانسحاب او الاستقالة، والضغط على الخصوم السياسيين (في اللغة الرسمية الحلفاء والشركاء) لدفعهم الى تقديم المزيد من التنازلات على مذبح الفكر المنغلق، والأنا المتورمة، والجيوب الطويلة.
لقد صدعوا رؤوسنا في الآونة الاخيرة، بعبارة جديدة نوعا ما هي تصفير الازمات، لكن ما يقومون به عملياً، هو في احسن الاحوال إعادة وإحياء الازمات وتعميقها، لا تصفيرها، وتعويض الشعب عما فاته، بسببهم قبل غيرهم.
لا نناشد هؤلاء من مواقع مثالية، مطالبينهم التخلي عن انانيتهم وتعصبهم وفهمهم القاصر لما يحيق بالوطن من مخاطر كبيرة، وبالشعب من مصير فاجع، فذلك من المحال، بل ندعو شعبنا العراقي الى ان يمارس دوره المأمول في امتلاك زمام امره بنفسه، ورفض طروحاتهم البائسة، وعدم السماح لهم بالاستمرار في العبث بمصيره، والتلاعب بمقدراته حسب اهوائهم وطموحاتهم المريضة.. وإلا سوف نعود الى المربع الاول، والعودة هذه المرة لن تكون عوداً أحمدا.