المنبرالحر

إلى الوراء درّ / ابرهيم الخياط

أثار مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة ردود فعل رسمية وشعبية غاضبة ضد تنظيم داعش، لاستخدامه الحرق اسلوبا في الإعدام، وبتلك الصورة البشعة التي بثها فيلم الفيديو عالي التقنية والمهنية والوحشية.
ومن يقرأ التاريخ لا يستغرب ما حصل، لأن هذا الفعل الإجرامي جاء تتويجا لسلسلة «ذهبية» من فظائع ارتكبها حكامنا وقادتنا الدمويون الكثر، فكان داعش خير خلف لأسوأ سلف.
في فاجعة الطفّ، وبعد استشهاد الإمام الحسين وأهله وأصحابه، لم يكتف قائد الجيش الأموي عمر بن سعد بحزّ الرقاب، بل أمر بحمل الرؤوس على الرماح إلى الكوفة ثم إلىالشام في استعراض فاشي.
وفي المدينة المنورة، أمر الوالي أن يقنطر مالك بن أنس (مؤسس المذهب المالكي) ويجلد لأنه أفتى بأن البيعة للمنصور أخذت بالإكراه فهي باطلة. أما في البصرة، فقد أعدم الوالي كاتبا كبيرا هو ابن المقفع حرقا، لأنه حرر كتاب أمان لعمّ الخليفة المنصور يصعب نقضه.
أما المعتضد بالله العباسي فقد أعطى الأمان لـ «شيلمة» قائد الزنج بالبصرة، ثم أمر بشوائه على نار هادئة حتى يقع جلده ثم تضرب عنقه، لأن الخليفة اكتشف انه ينشط ضده سرّا.
كما أمر المعتضد نفسه بتنفيذ خارطة تعذيب مرعبة على القائد القرمطي ابن أبي الفوارس، حيث علق، وقلعت أضراسه، وقطعت يداه ورجلاه صباحا، وقطع رأسه ظهرا، ثم صلبت جثته وبقيت معلقة لأيام.
كذلك تفنن الخليفة المعتضد (الذي صار نجم هذه التغريدة) لما «عرف» أن الروح تخرج من فم الإنسان، فأمر أن تحفر حفرة يدخل فيها رأس المغضوب عليه ونصفه الأعلى، ثم تردم الحفرة ليبقى نصفه الأسفل ظاهرا فوق التراب، ويسد كل الثغرات حتى تخرج الروح من غير الفم!!
ولا ننسى العثمانيين الذين أدخلوا الخوزقة، وهي إجلاسالمعذب على عود. وكانت الخوازيق أنواعا وأحجاما حسب نحافة المعذب وسمنته، ثم تطور الخازوق فصار في الأمن العامة الصدامية قنينة زجاجية بأنواع وأحجام مختلفة، من «سفن آب» إلى «الكولا» إلى قنينة الحليب الغليظة.
ويقال: لولا الطفّ لأقيمت المآتم على واقعة الحرة، وهذه الواقعة بطلها هو الإرهابي مسلم بن عقبة المري قائد جيش يزيد بن معاوية، الذي دخل المدينة المنورة «المرتدّة» فأباحها لجنوده ثلاثة أيام، قتلا ونهبا واغتصابا، حتى تجاوز عدد الحوامل سفاحا بعد شهور - سبعة آلاف فتاة!
أما الحجاج، فانه يزعل علينا إن أهملناه، لأن سجنه كان بلا سقوف ولا جدران داخلية إنْ هو إلا باحة مسيجة يودع فيه الجنسان معا، وكان يعدم صبرا على الشبهة، وينزل بطشه على كل ذي نفس. وخير من وصفه كان أحد مطلوبيه:
- هربت من الحجاج حتى مررت بقرية، فرأيت كلبا نائما في ظل زير ماء، فقلت في نفسي: ليتني كنت كلبا لكنت مستريحا من ملاحقة الحجاج، فمررت، ثم عدت من ساعتي فوجدت الكلب مقتولا، ولما سألت عنه قيل لي:
- جاء أمر الحجاج بقتل الكلاب.