المنبرالحر

تناقضات وصراعات وتوقيتات / اسماعيل شاكر الرفاعي

تشير الكثير من الأحداث الى ان الميدان العسكري أصبح الساحة التي تنعكس عليها صراعات القوى النافذة والمؤثرة : الدولية والأقليمية والمحلية . التناقضات المحلية تبدو كالغابة التي تخفي أصل شجرة الصراعات والتناقضات : تناقضات الحكومة الأتحادية وحكومة أقليم كردستان، القديمة الجديدة، والتي يزيد من أوارها الأحتكاك الجديد حول مدينة كركوك .. البروز المجدد للخلافات القديمة بين التحالف الشيعي والتحالف السني حول تطبيق الوثيقة السياسية بما تتضمنه من بنود ومنها البندين المتعلقين بقانون الحرس الوطني وقانون المساءلة والعدالة.. وطفرت الى الواجهة مجدداً المواقف المتناقضة من المليشيات مع حادثة مقتل الشيخ الجبوري مع افراد حمايته ، واعتقال نائب في البرلمان من قبل هذه الميليشيات بحسب الاقوال التي تناقلتها الفضائيات .. وسط هذا الشد والجذب كانت الحكومة مترددة او حائرة او متناقضة الاقوال ، وقد برز هذا التردد في ثلاثة مواقف : أولها : التناقض البارز بعد الهجوم على ناحية البغدادي بين ما قاله الأهالي المحاصرون وبين ما قالته الحكومة على لسان ناطقها الرسمي ، والثاني تناقض ناطق الحكومة الرسمي نفسه حين نفى وأكد في آن واحد التسريبات التي أشارت الى قرار الحكومة السري حول التأخير الدوري لرواتب الموظفين ، وثالثها : التردد في تطبيق قرار تغيير أمين العاصمة .. وهناك منذ البدء صراع متطور باستمرار بين من يقول بالأثر الفعّال لطيران التحالف ، وبين من ينسب هذا الدور لقوى الحشد الشعبي والجيش والقطعات الأرضية . أما الجديد في هذه التناقضات فيتمثل بتصريح وزير الدفاع العراقي المخالف لتصريح وزير الدفاع الأمريكي الذي أشار فيه الى توقيت محدد لتحرير مدينة الموصل ..
يمكن لنا القول بأن هذه المواقف المتناقضة ليست عفوية ، بالأحرى انها سياسة واعية لما تتخذه من خطوات في الموقف من هذا الحدث أو ذاك .. وعادة ما تتميز المواقف البشرية الواعية لمواقفها بالقصدية ، وفي هذا القصد الذي يدفع بعض الناس مثلاً للتظاهر تأييداً لعبعوب ، ومنعاً للدكتورة شذى محمد علوش من مزاولة عملها كأمين للعاصمة ، يكمن جوهر الصراع السياسي في عراق ما بعد 2003 على انه صراع من أجل المناصب والاثراء السريع ، وهو صراع لا بد وان تتحكم بقصديته الواعية بنية النظام المحاصصاتية التي تشطر القوى المتنفذة سياسياً في مواقفهم ، لا على اساس الغلاف الواهي لما يرفعونه من شعارات بل على اساس الحصول على المناصب التي تشبه الكنوز الثمينة في ما تدره على اصحابها من ثروات ...
لكن خطورة هذا الصراع تتجلى أكثر فأكثر في الميدان العسكري ، فناحية البغدادي القريبة من قاعدة عين الأسد التي تضم عدداً من القوات الأمريكية أصبحت ميداناً لهذه الصراعات ، حتى وان كان الثمن احتلال قاعدة عين الأسد .. وهذا ما يشبه صراع المفاضلة بين الطلعات الجوية والقطعات الأرضية ، وهي مفاضلة لا معنى لها ، اذا أدركنا انه لا يمكن الاستغناء عن أي منهما في المعارك الحربية ، فكلاهما مطلوب وضروري ، وان التنسيق بينهما هو الفعل الحربي الصحيح. لكن تصبح المفاضلة بينهما ذات معنى اذا ما أدرجناها ضمن سياق الصراع الدولي بين أمريكا إيران، فالتقليل من شأن فاعلية الطيران القصد منه التقليل من شأن الحضور الامريكي في محاربة الأرهاب ، كذلك التقليل من شأن الدول العربية الداخلة في التحالف الدولي وغالبيتها سنية .. والعكس صحيح : فغالباً ما يرافق تحرير الحشد الشعبي لمدينة ما تصاعد تهمة التجاوزات الموجهة إلى الحشد ..
اذا ما وضعنا هذا الصراع نصب أعيننا ، فانه سيساعدنا على فهم تردد حكومة الدكتور العبادي ، وتناقض تصريحات ناطقها الرسمي. بمعنى آخر ان كل هذه التناقضات والصراعات هي عوامل سلبية هادمة ، وليست عوامل ايجابية تدفع حكومة العبادي إلى تطوير قراراتها بما يرتقي بشروط العيش للغالبية المهمشة من الأمة ..