المنبرالحر

آثارنا أوجاعنا / قاسم السنجري

يبتكر تنظيم داعش الظلامي طرقاً واساليب مؤذية للعراقيين والعالم. ويحاول أن يوجع بأفعال أكثر إيلاماً، إذ أن تدرجه بالعنف والقتل قد وصل إلى ذروته، فهو لم يكتفِ بطرق القتل المألوفة، ولم تعد تشبع غريزته بكمية الإثارة المتحققة من فعل الذبح، فقد طوّر طرائقه انتقالاً من الذبح مروراً بإلقاء ضحاياه من البنايات الشاهقة وصولاً إلى حرق الضحايا وهم أحياء، مما يعكس اقصى حالات السادية التي وصل إليها عناصر هذا التنظيم الارهابي.
إن إتكاء داعش على إنتاج افلام مبنية على الأكشن والإثارة، يهدف إلى جذب نماذج معينة من الساديين والمرضى النفسيين للالتحاق في صفوفه، فهو يتعمد إنتاج مثل افلام الذبح والحرق والتحطيم الهستيري لإيصال دعوة لمن يستهويهم القيام بمثل هذه الافعال، بشكل مباح وخالٍ من تأنيب الضمير والشعور بالإثم، من خلال تغليف هذه الافلام بنصوص دينية تشرعن ما تقوم به هذه العناصر المريضة.
إن ما اقدمت عليه عصابات داعش الارهابي، بتحطيمها للآثار العراقية واستباحتها لمتحف نينوى التاريخي، فجيعة حقيقية تضاف إلى رصيد الفجائع العراقية، وأشبه ما يكون بتدمير بابل من قبل الحيثيين في العام 1595 ق.م. أن داعش قتل اثار حضارة عمرها آلاف السنوات واختصر عملية التدمير الهمجي بفيلم فيديوي قصير بثه من خلال مواقع على شبكة الانترنت، إذ أن فعل التخريب لا يستغرق زمنا طويلاً لتحويل ما موجود من شواخص حضارية في الواقع إلى كومة اطلال، إلا ان داعش الذي يرتكب جرائمه ويقوم بتصويرها لا يعلن عنها قبل القيام بها، بل يؤخر عرض توثيقه لجريمته، حيث تشير مصادر من مدينة الموصل أن التنظيم الارهابي ارتكب جريمة استباحة متحف نينوى وتدميره لبوابة نركال التاريخية قبل شهرين من عرضه للتسجيل الفيديوي، وربما التأجيل في إعلان هذه الفجيعة أراد أن يكشف مدى ضعف الجهد الاستخباري للقوات الأمنية العراقية والتحالف الدولي، اضافة إلى أن داعش أراد أن تكون الحسرة كبيرة على ما تم تهديمه لأن الأمر انقضى ولا يمكن التدخل لإنقاذ ما يمكن انقاذه ولو من خلال التبكير بعملية تحرير الموصل.
مما يوجع أيضا في حادثة تدمير الاثار، أن بعض الاصوات حاولت التخفيف من أهمية الحدث وكارثيته، وقد يكون من باب الإنكار، اذا أن البعض أخذ يروج أن داعش استبدل الاثار الحقيقية بنسخ جبسية مقلدة وقام بتحطيمها، أو هناك من يقول أن اظهار الحزن على الاثار مبالغ فيه لأن هناك الكثير من البشر يذهبون ضحايا بسبب داعش.
هذه الاحاديث تحاول تجميل هذا التنظيم الهمجي، وتريد القول إن داعش يحافظ على الاثار الحضارية، في حين أن ما يجري هو العكس، اذ أن هذا التنظيم الارهابي لا يحتفظ باية قيم إنسانية، ولا يعتد بالشواخص الحضارية ويتخذ من تماثيل وبنايات تاريخية اعداء يعمل على التخلص منها، وما اقدامه على تفجير مرقد النبي يونس بعد احتلاله للموصل إلا دليل على همجيته وضحالة الفكر البدائي الذي يعتنقه.
ان الحسرة على اثارنا كبيرة، وأن وجع تدميرها كوجعنا على الضحايا الذي قتلهم داعش أو هجرهم أو سباهم، ونحن لا يمكن أن نتخلى عن شعورنا بالألم، لأن آثارنا تعكس انسانيتنا وإسهام اسلافنا في التراث العالمي، وقد دمرها تنظيم اهوج لا يسلم منه البشر والحجر.