المنبرالحر

في ضرورة سيادة القانون؟ / اسماعيل شاكر الرفاعي

ثلاث شخصيات سياسية أحببتها لم يكن من بينها سياسي عربي واحد.. السياسي العربي صانع شعارات ، وفهلوي: يدعي ان بإمكانه تحرير العالم من شروره وأوساخه ، وهو لم يقلم يوماً أظفار أصابعه . أحببت اولئك الساسة لأنهم لم يكونوا فهلويين ، ولا صتّاع شعارات بل كانوا حتى ساعاتهم الأخيرة في الحكم صتّاع حياة ، وحين انتهت فترات حكمهم خلّفوا وراءهم حياة هادئة ومستقرة. أما حين رحل ساسة عالمنا العربي ـ على طريقتنا المعروفة في ترحيلهم ـ فلم يخلفوا وراءهم انجازاً يذكر إن على المستوى الاقتصادي ، او الأمني ، او الثقافي بل خلفوا حرائق مزمنة ودماراً شاملاً ومزابل فكرية وثقافية .. واولئك الثلاثة هم مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ، لولا داسيلفا رئيس البرازيل السابق ، وجون كافور رئيس غانا السابق .. بصراحة لم يستول رئيس عربي واحد على مشاعري ، لأنني لم أر رئيساً عربياً ــ منذ ان صنعت الانقلابات العسكرية النظام الجمهوري ــ قد حنى قامته احتراماً لقانون بلاده . كل الرؤساء العرب كانوا فوق القانون ، وقد كتبوا جميعاً قانوناً واحداً : هو قانون ملكيتهم المطلقة لكل شئ والتصرف المطلق بكل شئ ، وبهذا اسهموا في صياغة نمط من حياة لا استقرار فيها بل هي تزداد سوءاً كل عام وكل شهر وكل يوم بل وكل ساعة ...
تعني سيادة القانون : ان الدولة وحدها ـ عبر أجهزتها المختصة ـ من يتولى تطبيقه ، ووحدها في حالة الخلاف من يتولى تأويله وتفسيره .. من حق السياسي خاصة اذا كان في المعارضة ان يدلي برأيه في ما يخص سياسة الدولة ، ولكن ليس من حقه ان يقرر هذه السياسة التي تصبح حكراً على مؤسسات الدولة بعد ان تضفي الانتخابات الوطنية الشرعية عليها .. لقد سمعنا في بحر الأسبوع المنصرم تصريحات لبعض الساسة خرجت عن حدود ابداء الرأي ، ودخلت في دائرة اتخاذ القرار الذي لا تتخذه الا الدولة ، خاصة اذا تعلق الأمر بقرارات الحرب والسلام . ماذا يتبقى من سيادة الدولة ، وكيف يتم بناء أجهزة سليمة حين يتخذ السياسي بالنيابة عنها قرارات خطيرة ، تتعلق بالحرب الجارية على الإرهاب ؟ وللعلم فأن سيادة القانون ليست شيئاً آخر غير القناعة به كطريق أوحد لنشر العدالة التي سيشعر المواطنون بغيابها في حالة الاطلالة المتكررة لرؤوس تتحدث عن الحرب والسلام ، وتتحدث عن تاكتيكات واستراتيجيات لا تمت بصلة لاستراتيجية البلاد العليا.. ان قناعة المواطن وايمانه العميق بضرورة سيادة القانون هي الطريق الى بسط سيادة القانون ، وهي الطريق لتحقيق مبدأ السيادة بما يعنيه هذا التحقيق من وجود قوة واحدة داخل البلاد لا قوى ورؤوس متعددة..
ذهب رئيس الوزراء الماليزي ولكن السنين لم تطو آثاره ، فببنائه السليم لمؤسسات الدولة انطلاقاً من التزامه بالقانون خلف وراءه اقتصاداً مزدهراً واستقراراً اجتماعياً وسياسياً رغم التعدد العرقي والديني والثقافي .. ومثله لم يذهب " لولا داسيلفا " البرازيلي ، فهذا الرجل البسيط في معيشته تحولت بلاده ــ نتيجة تقديمه المثال لبني جلدته على الطريقة المثلى للالتزام بالقانون ــ من قارة تعج بالجريمة والفقر والمرض الى بلاد يشمخ اقتصادها ، ويشمخ معه استقرار اجتماعي وسياسي غير مسبوق .. ورفض رئيس غانا طلب القذافي في ان يبدل من الدستور بعض فقراته للاستمرار بالرئاسة قائلاً للقذافي : "أنا لا أمتلك من القوة سوى القانون ". ولأن السياسي العربي لا يؤمن بالقانون ولا بقدرته على صناعة حياة هادئة ومستقرة،فقد خلّف وراءه حروباً أهلية داخلية طاحنة ..