المنبرالحر

عكس التيار !/ محمد عبد الرحمن

احداث وتطورات عدة تضغط باحثة عن اضاءات. فهناك الانتصارات التي يحققها سلاح الدولة في صلاح الدين ، والاستعدادات لمعركة الانبار الفاصلة ، والاعداد لخوض غمار المنازلة الكبرى ضد داعش الارهابي وتحرير الموصل .. كذلك حديث رئيس الوزراء في مجلس النواب وما تناوله من نقاط عدة، وما اعلنه من مواقف تبحث عن ارادة قوية للتنفيذ ، اضافة الى ما تضمنه من قضايا هي موضع جدل بل واختلاف، ومن بينها حديثه المتفائل عن الاقتصاد العراقي اعتمادا على تخمينات بمعاودة اسعار النفط الارتفاع ، دون تقديم خطة واقعية للنهوض بالاقتصاد في ضوء التجربة المرة السابقة ، واستمرار التعويل المطلق على ايرادات النفط الخام المصدر ، والهرولة الى السوق والخصخصة وتصفية شركات القطاع العام ، من دون معاينة تجربة العديد من الدول التي سبقتنا في الركض الماراثوني على هذا الطريق، ولم تحصد غير البؤس والشقاء واهدار المال والوقت .
ولا يقل اهمية ما يتكرر اعلانه عن التوجه نحو اعتماد صيغة « التوازن « في تقاسم الوظائف العامة، وهو لا يعني في الواقع الا المحاصصة الطائفية – الاثنية. فاذا طبق هذا «التوازن» ، كما تريد القوى الحاكمة ، فسلام على الكفاءة والخبرة ومبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. واين يذهب من يرفض ان يُِحشر في قوالب « المكونات « المفصلة على مقاسات بعض الاحزاب والكتل، والمختزلة في اسماء معينة تتدافع على المناصب والمغانم والنفوذ، وبعضها كما قيل واعلن مؤخرا، على استعداد للدفع وشراء موقعه! علما ان هذا البعض نجده من اكثر الاصوات صراخا ضد الفساد الذي يتفاقم بفضله وفضل غيره كل ساعة ويوم ، في وقت لا يزال فيه المسؤولون يتحدثون بالموعظة والدعوة وكانهم خطباء جمعة ، وينسون انهم هم المعنيون بتفعيل كل آليات ومؤسسات التصدي له، واتخاذ الاجراءات ضده ومتابعة تنفيذها. فلم يعد يكفي وصف الحالة وهي المعروفة اصلا ، بل وسقطت عنها ورقة التوت ، كما سقطت عن البعض الملتحف بالدين تبريرا لسوءاته، ولم تعد تنفع التورية وطاطاة الرأس وحرق الجباه والاكثار من الحج ، والحرص على اداء الصلوات في اوقاتها ، والصوم في رمضان وشعبان ، الواجب والمستحب .
غير انه في يومي الخميس والجمعة الماضيين حدث شيء خارج هذا كله ، بل هو النقيض له تماما وعلى طول الخط ، ويستحق اكثر من اضاءة ومقال ووقفة. انه المهرجان الثالث لـ «طريق الشعب» الذي احتضنته دجلة الخير ، وابو نؤاس الباحث عن زواره الذين يألفهم ، ويتماهى معهم . فكان المهرجان ومضة اخرى في هذا الوضع الملتبس ، وضمن مسعى متواصل لتوسيع وترسيخ هامش حرية التعبير في مؤسسات لا تساوم ولا تقبل ان تنتهك من جديد حقوق المواطن العراقي . فالفرح والمحبة والالفة ، والفكر والثقافة والحرية واحترام الرأي والرأي الاخر، والاندماج مع الناس في همومهم ، هو ما عاشه الآلاف من زوار المهرجان الذي قال العديد منهم انهم وجدوا انفسهم في " المدينة الفاضلة " .