المنبرالحر

على طاولة التشريح 80 عاما/ علي علي

لاأظن أحدا منا قد نسي الكم الهائل من القوانين ومشاريع القوانين، التي باتت معلقة في رفوف علاها التراب وأكلت عليها الدورات والفصول التشريعية البرلمانية وشربت، وقطعا..! هي كلها في تماس مباشر مع المواطن، وتدخل في صلب يومياته، وكلنا يذكر طيلة السنين العشر الماضيات كيف استحالت اجتماعات المجلس الممثل عن الشعب العراقي برمته، الى "طلسم" يختلط فيه الباطن والظاهر بصبغة المصالح الشخصية والفئوية. وما التوافقات التي تطرأ على أجوائه بين الحين والآخر إلا سيناريو متفق عليه، يتكرر بشكل رتيب لإضفاء جو التهدئة والتراضي أمام المواطن، فيما يشوبه في الواقع الغموض والتعتيم بما يدور بين الكتل والأحزاب أعضاءً ورؤساء، وقطعا أغلب الأخيرين ليسوا وحدهم في الساحة، ومامن قرار يصدرونه أو يتخذونه إلا بإيماءات وأوامر تأتيهم من جهات عديدة، والأخيرة هذه تتنوع بدورها بين محلية وإقليمية ودولية، حتى غدا مجلس نوابنا حلبة صراعات ونزاعات بين فئات ودول، تبرز عضلاتها تحت قبته، وقد ذكرها شاعرنا الكبير عبد الغني الرصافي قبل ثمانين عاما في حق البرلمان آنذاك، وأراني أستشهد بأبياته في أكثر من مقام ومقال، ذلك أن الأحداث تعيد نفسها طبق الأصل في تاريخ عراقنا الحديث، فقد قال الرصافي:
أنا بالحكومة والسياسة اعرف أألام فـي تفنيـدهـا وأعنـف؟
سأقول فيها ما أقول ولم أخف من ان يقولـوا شـاعر متطرف
علم و دسـتور ومجلـس امـة كل عن المعنى الصحيح محرف
من يقرأ الدسـتور يعلـم انــه وفقـا لصـك الانتـداب مصنف
لابد من يـوم يطـول عليكــم فيه الحساب كما يطول الموقف
ذلك هو مجلس نوابنا الذي ظهر الى الوجود بظل الديمقراطية وحرية الانتخاب التي أمطرها علينا عام 2003. وباستقراء سريع في دوارته الثلاث، على مدى فصولها التشريعية، لاأرى فرقا او تميزا بينها إلا بالسلبيات، فجدوى اجتماعات برلماننا تتراوح بين السيئة والسيئة جدا والأكثر سوءا، وتنأى عن الجيدة والجيدة جدا وحتى المقبولة بالحد الأدنى والنزر اليسير مما يحققه نوابنا الى المواطن.
ولن أبتعد في سطوري هذه عن شاهدي فيما أبتغي الوصول اليه، طالما وصل هو اليه قبل عقود، إذ لم يتناول الرصافي المجلس التشريعي حينها فحسب، بل هو أتى بالمجلس التنفيذي وألقاه على طاولة التشريح ونشر الغسيل، فقد قال الرصافي عن الحكومة إبان الحكم الملكي:
هذي حكومتنا وكل شموخها كذب وكـل صنيعهـا متكلـف
وجهان فيها باطن ومتسـتر للاجنبـي وظـاهر متكـشـف
والباطن المستور فيه تحكـم والظاهر المكشوف فيه تصلف
أفهكذا تبقى الحكومة عندنا كَلِمـا تمـوه للورى و تزخرف
كثرت دوائرها وقـل فعالهـا كالطبل يكبر وهو خال أجوف
هذه الأبيات وغيرها المئات شاهد حي ومستمسك رسمي وثبوتي، على التقصير المتعمد والتباطؤ المغرض المتناسل من ساستنا، والعيب كل العيب أن يحدث هذا في مجالس تشريعية وتنفيذية منتخبة بعد انقشاع عقود الدكتاتورية، والشاهد الآخر الحي هو استمرار القوانين في تأرجحها بين فكي الحكومة والبرلمان.