المنبرالحر

عقلية الاستحواذ وقمع الأقليات القومية والدينية في إيران / مصطفى محمد غريب

على ما يظهر إن عودة البعض من المسؤولين والضباط الكبار في إيران بتهديد المنطقة نابع عن شعور مكعب بخصوص الحاضر والمستقبل والماضي،فالحاضر هو السلاح النووي وليس رفاهية ومساواة الشعوب الإيرانية.. أما المستقبل فهولإخضاع المنطقة لمنطق القوة العسكرية الإيرانية للتدخل في شؤون الغير الداخلية والتهديدات المستمرة للاحتلال والهيمنة على الخليج ومضيق هرمز حيث يعتبر وحسب تصريح سابق للجنرال حسين فيروزبادي رئيس أركان الجيش الإيراني في 30/4/2011 بأن " الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائماً لإيران ".. أما الماضي فهو في التصريحات المبطنة والآن العلنية على المكشوف للتذكير بعودة الإمبراطورية الإيرانية من التاريخ وهذا الأمر ليس من اجل الاستهلاك السياسي بل نابع عن العقلية القديمة الجديدة بمحاولات الهيمنة على البعض من الدول والتدخل في شؤونها الداخلية وفي مقدمتها العراق تحت مظلة إسلامية لكنها تحمل توجهات متطرفة، وبدلاً من منح القوميات حقوقها المشروعة والتخلص من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران وشعبها بسبب برنامجها النووي وإرهاق الشعوب الإيرانية وعدم التخلص من عقلية الاستحواذ على السلاح النووي التي بالتأكيد ستجر المنطقة إلى حمى التسلح وخطورته ليس على الشعب الإيراني فحسب بل على جميع الشعوب في المنطقة والعالم أيضاَ، لقد أخذ البعض من المسؤولين الإيرانيين الكبار يصرح بلا مسؤولية تصريحات سفسطائية دعائية كأنه يعيش قرون " السيف والخيل والبيداء " وليس السلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات والغواصات النووية وجزر حاملات الطائرات والطائرات التي تقودها العقول الالكترونية وسفن الفضاء والأقمار الصناعية وقد تحمل السلاح النووي..الخ
من بين هؤلاء المسؤولين علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال بدون أن يدرك خطورة تصريحه لأن الشعب العراقي ومكوناته لن يكون خانعاً لا لإيران ولا لأي دولة أجنبية وهو يرفضه شخصياً ويرفض هذه الفكرة الاستحواذية حتى لو كانت تحت يافطات إسلامية أو طائفية أو قومية إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي" هذا القول أمام حشد من الطلبة لم يكن مختصراً على بغداد بل عبر إلى مناطق واسعة في المنطقة حيث اعتبر مستشار روحاني علي يونسي أن "كل منطقة شرق الأوسط إيرانية" وهي عودة لفكرة الإمبراطورية الإيرانية التي أسقطتها الجيوش الإسلامية أثناء خلافة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب المكروه حتى النخاع من قبل القوميين الفرس المتعطشين لعودة الهيمنة القديمة، ويستمر علي يونسي بالقول "سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية " .
ـــــ لا نعرف هل يدرك علي يونسي لغته الاستحواذية المتطرفة؟ وهل لديه أو لإيران هذه القدرة السحرية لكي تخضع المنطقة وشعوبها إلى الإمبراطورية الإيرانية الجديدة؟ وكيف سيحقق ما يهدف إليه بأن الشعوب والمنطقة جزء من إيران؟ وهل سيتمكن والحكام الإيرانيين وبهذا الاقتصاد المتردي وعدم وجود عدالة ومساواة بين الشعوب والقوميات التي تعيش في إيران والوضع المزري المعيشي لملايين الكادحين والفقر والبطالة والعديد من الأزمات أن يضم الشرق الأوسط تحت النفوذ الإيراني؟
نعتقد أنها مسالة فيها نظر فليس علي يونسي أو غيره لديه ضمان عن قوة واستمرار وحدة الشعوب والقوميات التي تعيش في إيران بهذه العقلية الاستحواذية ذات التوجه القومي المتطرف بحجة الإسلام؟
هذا الموضوع يحفزنا على إلقاء نظرة فاحصة على أوضاع القوميات غير الفارسية في إيران، فهذه النظرة الاستحواذية وتجاهل مشاعر الشعب العراقي تحصيل حاصل على السياسة المعادية للقوميات الأخرى في إيران حيث لم يكتف مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي بذلك فقد أكد وهذا ما نقلته وكالة أنباء إيران " ايسنا " للطلبة الإيرانيين أن"جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد" وهذا دليل واضح على التواجد العسكري الإيراني على الرغم من إنكاره والاعتراف بالمستشارين العسكريين الإيرانيين وفي مقدمتهم الجنرال سليمان قاسمي.
المكونات القومية في إيران
تعتبر القضية القومية من القضايا الصعبة التي تواجهها الشعوب لا سيما القوميات الأصغر التي تتعايش مع القومية الرئيسية في البلد المعنى، فمع شديد الأسف تطبعت القوميات الكبيرة بطابع الهيمنة والتغاضي عن حقوق القوميات الأخرى الأصغر منها بسبب نوع الأنظمة السياسية التي تحكم البلاد ذات الطابع الشوفيني المعادي لحقوق القوميات المشروعة، ونجد أن النموذج الإيراني الذي يدعي الإسلام خير نموذج على مدى صعوبة وضع القوميات الأخرى من الكرد والعرب والبلوش والاتراك الآذريين والتركمان كما تجرى انتهاكات بحقوق الأقليات الدينية والطائفية كالبهائيين والمندائيين وغيرهم، فهناك تمييز واضح في سياسة النظام الإيراني بخصوص حقوق القوميات وكذلك خرق حقوق الإنسان وارتفاع نسبة الإعدامات للذين يختلفون مع النظام وان كان اختلافاً في الرأي، وتتعرض الأقليات الدينية والقومية غير الفارسية على القمع والملاحقة المتعددة وحسبما ذكرته منظمات إنسانية وحقوقية فقد ازدادت الاعدامات في عهد حسن روحاني ووصلت إلى ( 687 ) أي بزيادة حوالي 20% عن العام السابق هذا ما أكده اجتماع " حول الأقليات القومية والدينية في إيران، على هامش اجتماعات الدورة 26 لمجلس حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة الدائم بجنيف 14 / 6 / 2014" وقد حضر هذا الاجتماع " ممثلين عن منظمات دولية ومنظمات حقوق الإنسان التابعة للأقليات والشعوب غير الفارسية في إيران " وناقش الاجتماع العديد من القضايا التي تخص الأقليات القومية والدينية في إيران ، وعمق التمييز من قبل الحكومة الإيرانية للأقليات القومية والدينية بالإضافة إلى القمع الموجه لها، وأدانت المنظمات الإيرانية الحاضرة كـ"مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية" و"منظمة حقوق الإنسان الكردية" و"منظمة حقوق الإنسان الأهوازية".السياسة الإيرانية القمعية وجرى الحديث عن الاعدامات والاعتقالات، وقد تحدث الدكتور كريم عبديان بني سعيد حول الاحواز مؤكداً " هذه الإعدامات تتم بناء على تهم وذرائع واهية منها: محاربة الله أو الفساد في الأرض وتهديد الأمن القومي. وقد كان أغلب ضحايا هذه الإعدامات النشطاء السياسيين والثقافيين من العرب والبلوش والأكراد".
كما قالت شيماء سيلاوي من "منظمة الشعوب غير الممثلة" في الأمم المتحدة إن "السلطات الإيرانية تستمر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأقليات القومية كالعرب والأكراد والبلوش والأتراك الآذريين والتركمان وكذلك الأقليات الدينية كالمندائيين والبهائيين" وفي هذا الصدد فقد قدم حوالي ( 1811 ) طالباً جامعياً آذريوناً في 7 / 3 / 2015 رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية حسن روحاني مطالبين بتنفيذ ما وعد به أثناء حملته الانتخابية حول الحقوق الثقافية واللغات.. وتجري مظاهرات دورية ومستمرة في الاحواز في داخل إيران وخارجها وبخاصة أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل، إضافة إلى وجود حركات مسلحة من قبل الكرد والبلوش وغيرهم تطالب بالحقوق المشروعة للقوميات غير الفارسية وإيقاف سياسة القمع والإرهاب ليس بالضد من الأقليات فحسب بل حتى أبناء القومية الفارسية.
إن الحديث عن الممارسات والسياسة القمعية من قبل الحكومات المتعاقبة في إيران معروفة ولا يمكن أن تحجب أو تنكرها السلطات الإيرانية ومظاهرات واعتصامات عام 2009 وغيرها مشهودة وخير شاهد على ذلك وهنا تبرز العديد من الاستفسارات
ـــــ إذا كانت هذه الأوضاع الداخلية وبهذا الشكل المأزوم والمحتقن فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة وعدم وجود أي متنفس للحريات والديمقراطية وخرقاً مستمراً لحقوق الإنسان، فضلاً عن الأوضاع والعلاقات الخارجية المحقونة بالعداء والصراع
ــــــ كيف يستطيع مستشار الرئيس الإيراني وممن على أمثاله يدعو إلى الإمبراطورية الإيرانية الجديدة التي عاصمتها بغداد وان يكون الشرق الأوسط والخليج ملكاً لإيران؟!، ويريد علي يونسي أن يؤسس " اتحاد إيراني " يجمع من حول إيران بدون إزالة الحدود!! (على من يضحك هذا الرجل ) فيدعو "لا نقصد من الاتحاد أن نزيل الحدود، ولكن كل البلاد المجاورة للهضبة الإيرانية يجب أن تقترب من بعضها بعضا، لأن أمنهم ومصالحهم مرتبطة ببعضها بعضا".
أية مصالح وأية اتحاد وهذه العنجهية الإيرانية وهي تريد أن تهيمن على المنطقة بهذا الشكل الذي تتصوره سهلاً بينما هي لا تستطيع السيطرة على داخلها على الرغم من الحرس الثوري والمؤسسة الأمنية الضخمة وجيش القدس وغيرها من المسميات؟
الاستفسار الأخير موجه إلى رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم والسيد حيدر العبادي رئيس الوزراء والسيد سليم الجبوري رئيس البرلمان وغيرهم من المسؤولين الوطنيين
ـــــ هل قرأتم أو سمعتم ماذا قال علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حول أن عاصمة الإمبراطورية الإيرانية الجديدة هي بغداد أو العراق.. لماذا لم ينبس أحدكم بحرف واحد برفض واستنكار قوله، أو يكذب الخبر على الأقل من أجل " ماء الوجه "الذي نشرته وأذاعته العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية العراقية والعربية والعالمية، مثلما فعلت وزارة الخارجية العراقية في إدانتها الخجولة ووصفت تصريحات علي يونسي ب " اللامسؤولة "..
ـــــ أين ستذهبون إذا تحقق ذلك وبخاصة وجود الجنرالات والمستشارين حتى في تكريت وبعدها الموصل وانتم تدعون إلى المصالحة الوطنية؟!! هذا الأمر أكده هادي العامري رئيس منظمة بدر عن وجود 100 خبير عسكري إيراني وهم لديهم الخبرة بمشاركتهم في الحروب في سوريا ولبنان والشيشان وحسب قول العامري " ونكن لهم كل التقدير والاحترام وهؤلاء هم أصحاب فضل علينا لأنهم يعطوننا خبراتهم في الحروب ضد (داعش) "
نقول بعد موجات الغضب والاستنكار الواسعة من قبل ملايين العراقيين وغير العراقيين على تصريحات علي يونسي تراجع عن ما قاله مبرراً انه لم يقصد الوقت الحالي بل الماضي أن ما قاله بشأن العراق وتناولته وسائل الإعلام مؤخرًا يقصد به خلال العصور الساسانية، والأشقانية، والأخمينية، قائلًا: " الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تدعم أي تدخل لدولة ما في سياسات وشؤون دولة أخرى"... لكن لا نستغرب من هذا التراجع واللعب على عقول الناس عندما قال في كلمته بمؤتمر "الهوية الإيرانية الكبرى "، الذي عقد في طهران الاثنين الماضي، إن "جغرافية الثقافة الإيرانية تمتد من الحدود الصينية إلى خليج البصرة، العراق ليست فقط دولة بها حضارة إيرانية، بل هي عاصمتنا ومركزنا الثقافي ".
-------
المصادر:
ــــ وضع الأقليات في إيران على طاولة البحث في جنيف: استوكهولم – صالح حميد
ـــ أهوازيون يحتجون أمام برلمان أوروبا على ممارسات إيران
ـــ الآذريون يطالبون باعتماد التركية لغة رسمية في إيران وبنية المكونات العرقية في إيران: باسل الحاج جاسم
ــــ إيران: أصبحنا إمبراطورية عاصمتنا بغداد: علي يونسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ