المنبرالحر

توازن أم محاصصة؟!/ قاسم السنجري

"التوازن" مصطلح جميل له عدة معاني في اللغة، منها "التعادل" و"التساوي"، إلا أن هذا المصطلح اللغوي الذي ينتج مفهوماً جميلاً، استخدمته القوى المتنفذة في السلطة لتغطية عملية قبيحة يراد منها تقاسم المغانم عبر محاصصة تعتمد على الطائفة، الامر الذي يجعل استخدام مفردة التوزان استخداماً مخاتلاً لا يظهر الحقيقة كاملة، حيث تنوي القوى المتنفذة من خلال هذا الصطلح؛ إجراء عملية محاصصة بين اطراف محددة، مبتعدة عن مبادئ العملية السياسية التي تعني المشاركة الواسعة لجميع القوى السياسية المؤمنة بالتغيير الديمقراطي والمؤيدة لإنهاء النظام الديكتاتوري السابق.
ومما يفرضه المنطق، أنه يجب الاعتماد في اختيار من يدير هذه المناصب العليا في الدولة؛ على الكفاءة والمهنية والنزاهة، ولكن حينما تنفرد قوى بتوزيع المناصب الإدارية فهذا يعني أن هناك تفرد جديد بالسلطة من قبل مجموعات سياسية استغلت العملية الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم تحولت عن المسار الديمقراطي الذي يضمن حق الجميع في إدارة الدولة، إلى مسار يقرّب اعضاء هذه الاحزاب والموالين لها على حساب الكفاءات المستقلة.
إن عملية "التوازن" التي تسعى لها القوى المتنفذة اشبه ما تكون بتدوير الوجوه الحزبية التي اقصتها صناديق الانتخابات، والدليل على هذا أنه في الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية في العام ٢٠١٤، تم تصديع رؤوس الناخبين بالتغيير وابعاد الوجوه القديمة، ولكن ما أن انتهت العملية الانتخابية ووصل الأمر إلى تشكيل الحكومة حتى عاد الذي اقصته الانتخابات من باب مجلس النواب من شباك الحكومة بمنصب وزاري أو منصب تشريفي كرئيس هيئة بالوكالة.
إن ما تُقدم عليه القوى المتنفذة، ما هو إلا تكريس لعملية المحاصصة، بل وحصرها في قوى بعينها، وإهمال واقصاء بقية القوى الوطنية التي يجب أن يكون لها حق في تقديم الكفاءات لبناء الدولة العصرية الحديثة، وليس الدولة المترهلة والمثقلة بالفساد الإداري والمالي، ولو سأل سائل أين كانت هذه الوجوه وهذه القوى عن الحكومات السابقة المتهمة بالفساد وهدر الأموال؟ ألم تكن هذه القوى هي العمود الفقري لتشكيل تلك الحكومات وما أتت به من هدر للأموال!
هذه العملية تجري وتضع خلف ظهرها كل كفاءات البلاد، ولا يبدو ضربا من التخمين حينما نقول أن هذه القوى ستسند هذه المناصب لرجال ينتمون لها يحافظون على مصلحة الجهة التي اختارتهم لهذا المنصب ودعمت ترشيحهم، وأما المصلحة الوطنية فليست محط اهتمامهم، فالمحاصصة التي يحاول المتنفذون تجميلها بمصطلح التوزان هي مشروع سيهلك ما تبقى من مؤسسات الدولة ويقلل حظوظها في استعادة موقعها كدولة مؤسسات، وسيبقى هذا المنصب أو ذاك حكراً على جهة واحدة، فلا يمكن لكفوء آخر أن يحلم في تقديم خدماته للدولة من خلال إدارته لمنصب ضمن تخصصه، ليس شكاً في كفاءته ولكنه لأنه لا ينتمي لجهة سياسية متنفذة أو طائفية تحتكر هذا المناصب.