المنبرالحر

أب.. بدوام كامل! / قيس قاسم العجرش

اسمه الكامل فرنسيس يوسف، عراقي من البصرة من مواليد ، مارس تدريس اللغة الانكليزية ببراعة نادرة.
وقف في الصف الدراسي ليمنح طلابه فرصة أن يكونوا (أوادم!) في المستقبل..وأن يضع بين أيديهم سلاح اللغة الإضافية حتى لو تعطلت فرصة شهادات العلم بهم في الطريق، ستكون اللغة ملاذاً مهماً يفتح الأبواب امامهم.
هذا ما كان يخبرهم به ، لكنه توفي قبل أن تدخل الاجيال التي درّسها عصر الشبكة الكونية والتواصل الإجتماعي والمعلومات المتاحة.. وقبل أن تتاح له فرصة رؤية توقعاته وتأمّلاته التي كان يحرص على نقلها الى طلابه.
اللغة لوحدها مفتاح يتيح لكم العمل بأبعاد أخرى، ستفهمون معنى ان تكونوا ناجحين في مهنة وانتم تجيدون لغة إضافية، بينما تكون معضلة اللغة عقبة أمام أقرانكم الناجحين أيضاً لكنهم لا يجيدون أي لغة اضافية.
كانت هذه كلماته.
في ظهيرة أحد ايام الدراسة، اكتشف هذا الأب الاستاذ ان أحد طلابه يغش في الإمتحان! وهو إمتحان يومي بسيط، فأخرجه من الصف بهدوء بطريقة مبتكرة! سحب الاستاذ هذا الطالب من ذراعه وقال له: اوكي ...انت انهيت الإجابة.. ممتاز.. اذهب الى المعاون واخبره ان الاستاذ فرنسيس يريد فايلات الطلاب..وانتظرني هناك!.
طبعاً لم تكن هناك لا فايلات ولا أي شيء آخر، إنما أراد الأستاذ أن يخرج هذا الطالب من الإمتحان دون إراقة كرامته ودون إهانته أمام زملائه.
وهناك، خلف باب مغلق، (غسل)الأستاذ طالبه الذي حاول الغش (غسلة) على الطريقة العراقية! وامام أساتذة آخرين. ونفـّذ فيه عقوبة غريبة!...أمره أن يكتب يومياً  كلمة من خارج المنهج، وإن لم يمتثل فسيتعاضد ضده باقي الاساتذة .. الكلمات العشرون يكتبها في ورقة ويسلّمها الى الاستاذ..مع ترجمة باللغة العربية لمعنى كل كلمة. وان تكون كل الكلمات مكتوبة بثلاث نسخ على ثلاث أوراق مختلفة، وكلّها بالقلم الجاف، وبثلاثة ألوان، الأحمر والأسود والأزرق!
نفذ الطالب العقوبة هذه لمدة شهر كامل!.. كل يوم يستخرج من القاموس عشرين كلمة ويكتبها ثلاث مرّات بثلاثة أقلام مختلفة.
بعد شهر.. بدأ الأستاذ يسأل طلابه عن كلمات من تلك الأوراق، على هامش الدرس، ليكتشف مدى معرفة طلابه باللغة ومدى شغفهم بالإستزادة.. كان الطالب الذي حاول الغش في مقدمة الذين يجيبون على الأسئلة، بل إنه كان الأفضل بين اقرانه.
وكان الأستاذ فرنسيس يكرر على مسامع الصف كلمات المديح لهذا الطالب الذي صار الأفضل بيننا في معرفته اللغوية،والآن تسبق اسمه دالة الشهادة العليا.
نسخة من هذه الكلمات للذين يعتقدون ان الضرب والإهانة للتلاميذ والطلاب هما نوع من أنواع التأديب!