المنبرالحر

انا اتحارش / د.محمود القبطان

قد يبدو عنوان هذه المقالة غريبا لكنه فعلا انا اتحارش دوما عندما اجد الفرصة لذلك وحسب المكان، طبعا يجب ان لا يذهب القارئ بعيدا فأنا لا اقصد التحرش اللاأخلاقي في الشوارع مثل ما يفعله بعض الشباب من كثرة اوقات الفراغ عندهم وانما اقصد ارى حالة أو منظر أتالم بداخلي بسببه حتى اذهب للتحري، للتحرش، لمعرفة اسبابه او احرّض عليه.
قبل ايام كنت راجلا في شارع ابي نؤاس باتجاه الجسر المعلق "المغلق دوما" رأيت جنديا شابا يحمل عدته العسكرية ويودع امرأة بعد ان اوقف سيارة تاكسي، تحركت التاكسي وبقى المقاتل بيده كيس يحوي بعض الاكل والشراب، وطبعا ليس منكرا، اقتربت منه بحكم سيري السريع دوما فقلت له ودعت الوالدة، قال نعم واضاف: رجعت توا من تكريت واستلمت الواجبات هنا، حراسة خلف الاسوار الحديدية بجوار النهر فقلت لامي تعالي الى بغداد، طبعا من الحلة، وهي فرصة لأراك واسلمك راتبي!!أيّ ابنّ وفيّ هذا! تمنيت له السلامة،وفي كل لحظة مرت عليّ بعد هذا الى ان وصلت بيتي كنت افكر بأمي عندما كنت اودعها لأرحل مرة اخرى الى ان رحلت من الدنيا دون أن اراها.
تعودت المشي منذ فترة طويلة، وهنا في بغداد يوميا هو برنامجي المشي في شارع ابي نؤاس واحاول الابتعاد عن الشوارع المزدحمة قدر الامكان وعندما اصل الى الحدائق استمر في المشي من خلالها حبا بخضار الحدائق وعند احدى نقاط الحراسة بالقرب من تمثال شهريار هناك كابينة يجلس فيها احد المقاتلين بعدته الكاملة لكنها هذه المرة كانت فارغة فرصدت الكرسي الذي يجلس عليه الجندي الحارس فكان بشكل يثير الانتباه حيث كان برجلين في اليسار امامية وفي اليمين الخلفية وفي الوسط اُجلس الكرسي على بلوكة كونكريتية، فلم اجرأ على التقاط صورة لهذا الكرسي لان على يساري اكثر من "علامة" عسكرية مشيت قليلا لألتقي مع الجندي فانتهزت الفرصة لتبيان رأيه في هذا الكرسي النحس فقال: اي عمي اعرف لكن لمن اشتكي؟ قلت لمن اعلى منك قال لا فائدة. تصوروا مقاتل يجلس على كرسي برجلين واحدة امامية والاخرى خلفية وتحت الكرسي بلوكة والكابينة يُرثى لها كباقي الكابينات التي يجلس فيها المقاتلون!!الا ان ما يلفت للنظر ان الجنود الذين يجلسون على كراسي"موبيليات" رثة يرمون قناني الماء بجانبهم والى ضفاف النهر ويقضون حاجتهم خلف اي ظل كان لا يُرون وقتها، وقد استغليت مناسبة حيث احد الجنود يقف خلف السور وقلت له لماذا لا تطالب بكرسي حقيقي مريح لك وقت الاستراحة، فقال :ومن يسمع ويجلب لنا هذا الكرسي؟ قلت طالب وزملاؤك بمثل هذا، قال : لا احد يصغي لنا.
وعلى امتداد شارع ابي نؤاس تنتشر بين كل بضعة امتار اعمدة كهرباء كانت قد قطعت لانتفاء الحاجة منها بحيث بقى قسم كبير من تلك الاعمدة واقفا ينتظر من يسقط عليه والاسلاك الكهربائية خارج من فوقه، رأيت سيارة تابعة لمديرية الكهرباء وعامل يعمل في احدى الاعمدة سألته لماذا تتدلى كابيلات الكهرباء من بقايا تلك الاعمدة ،اليوم، قال قطعناها وليس فيها كهرباء ،قلت ولماذا لم تزيحوا تلك البقايا من الاعمدة من الاساس، قال :امانة العاصمة تدخلنا بايراد ومصرف فبقى الحال كما هو.
انني بعد كل هذا ارى ان هؤلاء الجنود ينتظرون نهاية الشهر ليستلموا رواتبهم لا أكثر بغض النظر عن الظروف التي يعيشونها فراتب الجندي مجز كما يبدو.
يبقى من واجب وزارة الدفاع أو الداخلية المسؤولة على هؤلاء الجنود ان تحترم وجودهم في الحر والبرد وتوفر لهم ظروفا مناسبة ليكون اداؤهم للواجب كما ينبغي .وعلى امانة العاصمة ان لا تترك حدائق ابي نؤاس وتمثاله بشكل يدعو للأسف والالم حيث بامكان الامانة ان تعين بعض العاملين في الحدائق ثم سوف تزهو مرة اخرى بعد رفع اكوام النفايات. وما اعلن عن ان هناك 200 منطقة في بغداد سوف تزاح منها البسطيات التي تنتشر على الارصفة لم نر ليومنا هذا اي اجراء من هذا القبيل لنكحل فيها اعيننا ونستطيع ان نمشي بحرية على ارصفة الكرادة ،على سبيل المثال وليس الحصر، أما ما هو موجود في بعض الشوارع الرئيسية في بغداد وازقتها فهو اقرب الى الكارثة وكأن امانة العاصمة ليست معنية بتلك المناطق أو انها شوارع ليست في العراق أو بغداد، لكن الى متى يبقى الوضع على هذا الحال.
اخيرا اعتقد لو تتظافر كل الجهود من قبل المديريات والوزارات المعنية سوف تختفي بعض الظواهر المؤلمة من بغداد وربما تصبح بغداد في مرتبة اعلى مما هي عليها الآن.يقول إخوان الصفا:"استعينوا على كل صناعة بأهلها".