المنبرالحر

شويّة.. شويّة / قيس قاسم العجرش

لسنا في حالة بناء للوطن، إنما نحن في حالة استرجاع له.
والفرق بين الحالتين كبير جداً.
الكلمة العميقة هذه، كانت للراحل أحمد المهنا، وهو في معرض حديثه عن الأولويات في العمل الوطني.
المهنا كان مدركاً، كإعلامي ومثقف، أن مساحات الخراب والإفساد انتشرت في الحالة العراقية بشكل غير مسبوق، لكنه بامتيازه في التفاؤل، شرح لي الفرق بين أن يكون الخراب «وطنياً» أو أن يكون خارج قبضة الإمكان.
الفرق واضح، بين محاولات تعمير الوطن وترسيخ مفاهيم الإصلاح على كل المستويات، وبين الإدراك الواقعي بأن المطلوب استرجاع الوطن نفسه أولاً قبل كل شيء.
الأمر ليس من باب الأولويات، إنما لم يعد في هذه الارض من يقاتل نيابة عن الآخرين فقط ليمنحهم إستقلالهم.
المقاتلون بالنيابة يبحثون أولاً وثانياً وثالثاً عن مصالحهم...أما مصالحنا فالأولى بنا إدراكها قبل المطالبة بها.
قبل أيام تحدث جون كيري، عن التهديد الذي تمثله داعش والتهديد الذي تمثله «المليشيات»ّ! العراقية ..وحاول أن يوحي بالعبارات أن كلاهما يشكل خطراً على المشروع الأميركي في العراق، لننتبه أنه لم يقل:المشروع الأميركي» مع» العراق.
وهذا كلام طبيعي، ففي السياسة التي يجب أن تدرك، إن تلاقي المصلحة الأميركية مع المصلحة الوطنية العراقية لا يمكن أن تحدث دائماً ولا يمكن ان تضبطها الصُدف دائماً، إن لم نتعد بالقول إن الصُدف لا مكان لها في السياسة إلا ما ندر.
لذلك، فليس من المُصادفة أن يعلن البيت الابيض في أول تصريح عن زيارة رئيس الوزراء العبادي بأن الأخير لم يطلب أي شحنات أسلحة أميركية عاجلة. ولم يكن من المصادفة ان ينأى الاميركيون بأنفسهم عن المشاركة في تحرير تكريت وأن يشترطوا سحب وحدات الحشد الشعبي قبل أن يقوموا بضربتهم المتأخرة هناك.
لا يدرك الأميركيون أن علينا كعراقيين أن نسترجع الوطن أولاً، وسريعأً وبلا توقف، بعبارة أخرى : أن نثبت للذات العراقية الجمعية أن هذا الوطن مُستحقٌ لنا ونحن مُستحقون له.
الثمن الذي يُدفع عراقياً الآن من أجل الإسترجاع، لن يجعل التقسيم الطائفي والأثني للأرض بسهولة خطوط قلم «الماجيك» على الخريطة من قبل أي يد إقليمية واجنبية مهما بلغت قوتها.
الولايات المتحدة بدأت تفهم هذه القصة على ما يبدو، بقي ان يفهمها الجوار العراقي والموهومون من العراقيين بأن الإنتصارات التي حققها العراقيون بدمهم الواحد تسجل كـ» ضربات جزاء»للطائفة بدلأً من أن تسجل لصالح المدافعين عن وحدة العراق والمقاتلين في سبيل استرجاعه.