المنبرالحر

العابرون على بزيبز / قاسم السنجري

لم يكن أحد يعلم أن هذا الجسر ذا الممر الواحد، سيكون ذات يوم معبراً لآلاف العائلات الأنبارية في أكبر موجة نزوح شهدتها المحافظة، فيما سبقتها موجات نزوح من مدينة إلى أخرى داخل المحافظة، هرباً من بطش تنظيم داعش الذي لم يوفر صغيراً ولا كبيرا من محرقته ووحشيته التي شملت جميع العراقيين.
إن قرار هذه العائلات التي اختار ت النزوح بعد أشهر من اختيارها البقاء في مدينة الرمادي التي تشهد وضعا أمنيا مضطرباً، جاء لأسباب عدة أهمها هو طلب النجاة من بطش داعش وقسوته، اضافة إلى الوضع الإنساني الذي تعيشه هذه المدينة في ظل انعدام الخدمات اللازمة لاستمرار الحياة. ومن أهم هذه الاسباب ايضاً الشائعات التي اطلقها تنظيم داعش الإرهابي حول سيطرته على مناطق مهمة في الرمادي كالمجمع الحكومي وغيره من المواقع في مركز المدينة. ومما يؤسف له أن تسهم وسائل إعلام عالمية ولها اسمها في الحيادية والموضوعية، في الترويج لانتصارات وهمية لهذا التنظيم الارهابي. بل ويتطوع ساسة عراقيون بتصريحات تضمنت هذه الاخبار التي اتضح عدم صدقها وعدم مطابقتها للواقع. وبالرغم من كل تلك المسببات فالمواطن المدني لا يُلام حين يطلب النجاة لنفسه وعائلته من وحش لا يرحمه إن استولى على مدينته، والشواهد على ذلك كثيرة ومتوفرة في كل وسائل الإعلام.
مَنْ يُلام في كل هذا، هو عدم الاستعداد الحكومي لأية موجة نزوح والتي يجب أن تكون متوقعة في ظل استعدادت الحكومة لحملات عسكرية لتحرير محافظة الأنبار، فهل يمكن أن نتصور أن الحكومة التي تخطط لشن عملية عسكرية واسعة النطاق لتحرير المحافظة من عناصر تنظيم داعش، نسيت أن في هذه المدن التي اما يسيطر عليها داعش أو يقف عند اطرافها، أن فيها أناسا مدنيين سيكونون ضحية لنيران الاشتباك وانهم قد يلجأون إلى ترك مدنهم في حال ابتدأت العمليات العسكرية. ولكن الحكومة التي تعلن عن عملية استباقية قبل أيام من تنفيذها تقع بكل تأكيد في خطأ عدم استيعابها لهذه الأعداد الكبيرة من النازحين. بل وتقابلها بإجراءات ارتجالية تخدش الشعور بالمواطنة حين تطلب من هؤلاء النازحين كفيلاً لضمان دخولهم إلى العاصمة بغداد. هناك مسؤولون وسياسيون اصدروا تصريحات مخزية تطالب الحكومة بمنع هذه العائلات من الدخول، فيما يتكدس آلاف الاطفال عند جسر بزيبز بانتظار الدخول إلى الملاذ الآمن.
بالرغم من مأساوية النزوح، ولكنه فرصة جيدة لتقوية الاواصر الاجتماعية وبث الروح الوطنية في النسيج العراقي، من خلال حث اهالي بغداد على اغاثة اخوتهم اهالي الانبار ومد يد العون لهم بكل ما يستطيعون، والترحيب بهم، والوقوف ضد كل التصريحات المسيئة للروح الوطنية وضد الإجراءات التي تنتزع من المواطن صفة المواطنة في أيّة محافظة وأيِّ مكان من البلاد. فالعراقي العابر من بزيبز إلى بغداد هو بغدادي بالرغم من أنباريته.