المنبرالحر

هوس الأقلمة / د.محمود القبطان

ليس معيبا ان تتجه بعض المحافظات الى تشكيل أقاليم حيث نص الدستور على حقوق من هذا النوع. لكن الملفت للنظر هو الوصول الى حد الهوس من اجل تشكيل أقاليم أو إقليم لمحافظات أو محافظة في ظل الفوضى الامنية في البلد.
يتشبث مريدو تشكيل الاقاليم بمواد دستورية بهذا الخصوص ويصرون على تطبيق الدستور لكنهم يتناسون مواد دستورية كثيرة وقوانين يجعلونها في مراتب بعيدة عن التفكير بها حتى لان في ذلك ضررا كبيرا لمصالحهم مثل قانون الاحزاب وقانون المحكمة الدستورية وقانون مجلس الخدمة ...
ماذا قدمت الاحزاب الاسلامية للمواطن في محافظاتها؟ لا شيئ تحمد عليها غير الفساد المالي والاداري وتلكؤ المشاريع التي ما ان تناط بشركة حتى تحول الى مقاولين ثانويين ثم تأتي الفضيحة الكبرى ان الشركة الفلانية كانت وهمية وقد استلمت الاموال دون ان تنجز اي مشروع وهذا ليس ببعيد عن توافق المصالح بين من يحيل المقاولات وبين من تُحال اليه. ولو نأخذ محافظة البصرة مثالا صارخا على هذا الهوس من اجل تشكيل الإقليم فنرى ان محافظيها لم يقدموا لها اية خدمات تذكر منذ 2003 وليومنا هذا حيث انتشر الفساد المالي والاداري فيها واصبحت متفوقة على باقي المحافظات في هذين الامرين. اذا لم العجلة في اقليم البصرة؟ يقول عرابوها ان في كردستان اقليم.. صحيح وبغض النظر عن الفساد المالي والاداري هناك حيث يعترف به الجميع لكنهم قدموا خدمات وبناء ومشاريع جعلت هذه الكفة ربما تطغي على كفة الفساد المالي، فهل البصرة قدمت لاهلها شيئا يذكر من الخدمات؟ لنأخذ الشركة الكويتية للخدمات البلدية، فقد هلل محافظها بان البصرة سوف تكون انظف محافظة خلال فترة قصيرة لكن كل المؤشرات تقول عكس ذلك، فقد بقيت كل وسائل التنظيف البلدي بشكلها المتخلف والبدائي ولم ترسل الآليات الموعودة للتنظيف وانما بقيت الفرشاة والسعفة والمسحاة وقلب الحاويات على الارض ومن ثم وضعها على قطع من الاكياس(گواني) ومن ثم قلبها في داخل السيارات المخصصة ،وربما يتصور القارئ مدى خطورة هذه العملية صحيا وبقت الانهر الفرعية كما هي باعثة الروائح المزعجة من كثرة النفايات ومحتويات المجاري التي ترمى فيها. مشروع واحد افتتح مرتان بعهد المالكي وخصص لدعايات انتخابية له ولقائمته ولوزير الشباب والرياضة ولم يكتمل لحد الآن الا وهي المدينة الرياضية. طبعا لا تختلف البصرة عن باقي المحافظات في هذا المجال حيث تركت بدون خدمات الى درجة كثرت الابقار والحمير والكلاب والقطط في الشوارع لابل احتلت مناطق كثيرة من الدور والدوائر الحكومية من قبل الحواسم، مثال على ذلك القاعدة البحرية التي اصبحت اهلية وليس هناك من رادع لانتزاع هذه المنطقة الحكومية من مغتصبيها لابل مكان لتربية الجواميس والابقار وهذ في منطقة تعتبر حديثة وقريبة من مدينة المعقل الجميلة سابقا. أضف الى ذلك المعارك بين العشائر وعلى اتفه الاسباب حيث يقتل الناس بسبب دين ببضعة مئات من الدنانير لتخرج جميع الاسلحة من مخابئها ولا تستطيع الدولة ان توقف هذه النزاعات لانها اصبحت خارج سيطرتها وقد اسس النظام المقبور الصدامي ومن تلاه لان تكون العشيرة وسلاحها اقوى من الدولة وقانونها. المعارك تتكرر في الگرنة والفاو والهارثة لا بل امتدت المعارك العشائرية الى محافظة ميسان واخيرا الى ذي قار. انها معارك نفوذ وسلطة فماذا سوف يحدث حين تتشكل الأقاليم ويتم تقسيم الحصص بين المتنفذين؟ في تلك المحافظات ليس هناك محاصصة طائفية وانما محاصصة بين الاحزاب الشيعية فقط فمن يدير الاقليم ومن يكون رئيس الوزراء ورئيس الاقليم ومن اي حزب اسلامي. وقتها سوف تشتعل ازمات جديدة ولن تتقدم اية محافظة هناك لهذا السبب لان القانون سوف يكون في حالة نوم عميق لان لا سلطة له حيث العشائر وسلاحها هي من تقرر الامور. في البصرة قدم نحو 44 ألف شخص طلب تشكيل الاقليم ولكن القانون يقول ان 10% من سكان المحافظة يقدمون الطلب فهل سكان البصرة تقلص الى درجة ان الاسماء المقدمة تكفي ؟ومن ثم كيف سوف تجري الانتخابات وأي قانون يعتمد في التصويت على الاقليم؟
في كل الاحوال اقول ان مسألة تشكيل الاقاليم| الإقليم ليس المشكلة الاساسية في البصرة أو في محافظات اخرى وانما غياب النزاهة واستفحال الفساد الاداري والمالي هو السبب الرئيسي وراء انعدام الخدمات والاقليم سوف لن يحل المشكلة لان هناك اسماء سوف تستفيد من هذا التوجه في هذا الوقت لتجميع الثروات دون رقابة أو رادع قانوني في وقت العراق يحارب على عدة جبهات ضد ارهاب داعش البعثوفاشي وهناك مشكلة النازحين التي استفحلت في الايام الاخيرة.
اقول اخيرا ربما تكون الحاجة لتشكيل اقليم البصرة لكن الوقت غير مناسب ويمكن التريث لحين استقرار العراق ولو لفترة وعرابي الاقليم ليسوا طاعنين في السن ويخافون أن يفوتهم قطار الثروة الموعودة. عليهم التقليل من اثارة الرأي العام البصرة في قنواتهم الممولة والاجدر بهم ان يحثوا ويضغطوا على اقرار القوانين المعطلة في البرلمان منذ اعوام عدة وتقديم افضل الخدمات لمدينتهم الباسلة ام الثروات الطبيعية .