المنبرالحر

إنتحاري تحت الطلب / قيس قاسم العجرش

الذين يظهرون اليوم على أنهم أشد الناس غلوّاً في العقائد والرغبة في الموت من اجلها، هم في الحقيقة ليسوا أكثر من «فاترينا « في متجر يقف خلفه مصنع كبير يستثمر الكثير من رؤوس الأمال.
يروي الدكتور ولي نصر حكاية في هذا السياق تؤكد أن الإنتحاري هو سلعة معروضة للبيع والاستغلال في كل زمان ومكان. ولي نصر هو صاحب كتاب»نهضة الشيعة» وهو أميركي من أصل إيراني وعمل مستشاراً لفريق السفير ريتشارد هولبروك، مبعوث أوباما الخاص الى أفغانستان وباكستان، ويعمل الآن عميداً لمعهد الدراسات الدولية في جامعة جون هوبكنز الامريكية.
الحكاية تعود الى الثمانينيات، في وقت كانت فيه الـ سي آي أي تدعم «المجاهدين» الأفغان ضد الوجود العسكري السوفييتي الذي كان في ذلك الوقت مسانداً لسلطة حكومة (جمهورية افغانستان الديمقراطية). واستلزمت المواجهة أن تفجّر المليشيات الأفغانية نفقاً جبلياً كان مهماً يمثل عصب طرق النقل بين الإتحاد السوفييتي وافغانستان. كان المطلوب هو تهيئة شاحنة محملة بالمتفجرات لتتفجر في وسط النفق تماماً، وهو مكان لن تكون فيه فرصة لنجاة سائق الشاحنة. بعبارة أخرى كانت وكالة الإستخبارات المركزية تبحث عن «إنتحاري» ليقوم بهذه المهمة.
المفاجأة كانت أن زعماء الحرب الأفغان قالوا للأميركيين وقتها أن قتل النفس هو أمر يخالف الشريعة ولا يجوز توجيه «مجاهد» بقتل نفسه إلا في ساحات القتال، وبنيران الخصم الكافر! وقف خبراء الـ سي آي أي عاجزين أمام هذه الحجة الفقهية التي استلزمت منهم 24 سنة، كي يعرفوا انها خدعة مجرّدة، وأن المجاهدين في حينها كانوا يقبضون من الطرفين ويبتزون حكومة افغانستان المدعومة سوفييتياً تحت عنوان المصالحة، وفي المقابل يعبئون جيوبهم من تبرعات العالم الإسلامي لهم تحت الإشراف الأميركي في وقتها.
وفي عام 2009 وحده، حسب احصاء ولي نصر نفذ «المجاهدون» من حركة طالبان أفغانستان 180 هجوماً إنتحارياً ضد القوات الأميركية المتواجدة هناك. وكان معدل أعمار الإنتحاريين في حدود 19 سنة.
في السياق ذاته، يروي نصر ما قاله وزير الخارجية المصري الأسبق أحمد ابو الغيط خلال لقاء معه عام 2010، حيث اورد فيه اقترح أن تدفع الولايات المتحدة 20 مليار دولار (وهو ما يمثل خمس تكلفة تواجد القوات الأميركية في افغانستان خلال سنة واحدة) الى أمراء الحرب الأفغان، لتكف عن نفسها الهجمات الإنتحارية وتوجه فوهات البنادق تجاه حركة طالبان التي ستنشغل بهم.
نسخة منه الى أنظار من يرغب بالإنتحار كـ «مجاهد» حقيقي.. او يكون واحداً من «المجاهدين» في صالة البيع المباشر!