المنبرالحر

التكافؤ بين الشعب وحكامه / ئاشتي

"1"
هل يكفي أن ترفع راية الندم على سنوات عمرك التي ضاعت بين ليالي البرد والجوع والتعب المتواصل وفقد الأحبة من رفاق بعمر الورد والضياع في متاهات الغربة؟ هل يكفي أن تلعن التاريخ بكل أبجديات الكون؟ وهل يكفي تشتم الحكام ليل نهار السابقين منهم والحاليين حتى تثأر لهذا الخراب الذي حل بوطنك، والذي يؤشر بشكل جلي على خسارتك، تلك الخسارة التي لم تكن أنت مسؤولا عنها، خسارة تتجسد في كل زاوية من زوايا طموحك وهدفك وأمنياتك وفرحك، وكل هذه الزوايا لم تكن غير زوايا لوطنك وشعبك، وكأن العالم تهشم بكل كيانه مثلما يتهشم الحلم الوردي الذي يراود الجفون حين يأتي النهار بالضياء.
"2"
تسأل رفاقك وأصدقاءك عن سر الامتناع في العودة إلى الوطن، ولم يفاجئك الجواب لأنك بدأت تتعايش معه في ذاتك، ورغم مرارة الجواب ورغم حزنهم الطافح في عيونهم منه، إلا أنه الحقيقة التي ترفع كفها وهي تعلن عن كل أشكال التردي التي وصل إليها الشعب والوطن، وكأن هناك حالة من التكافؤ بين الشعب والحكام.
"3"
ربما هو اليأس الذي يجعل هؤلاء البشر الذين قدموا زهرة شبابهم في النضال من أجل شعبهم ووطنهم، اليأس بسبب ما آلت إليه الأوضاع من التردي، في البدء كان الفرح يرتسم على الوجوه بكل تفتح الآمال والطموحات التي راودتهم طيلة تلك السنوات، ورويدا رويدا بدأت زهور هذه الآمال بالذبول، وراحت شجرة الأحلام تتآكل أغصانها حتى تلاشت فلم تخلف في نفوسهم غير اليأس.
"4"
حين تبدو المعادلة متكافئة بين الشعب والحكام تسقط كل مشروعية الانتماء، مثلما تسقط كل مبررات العودة حين تتحسس أن تهميش وعي الشعب وصل إلى المستوى الذي وصل إليه مستوى فساد الحكام بكل أشكاله، وحين تبحث عن أسباب ذلك لا تجد غير أن محصلة كل تلك السنوات هي اللاشيء، لا ننكر من أن الحكام في كل مراحلهم يسعون إلى تهميش وعي الشعب، ولكن حين تكون استجابة الشعب لهذا التهميش بدرجة عالية من تطبيق ما يتمناه الحكام من النتائج هنا الكارثة. ما الذي يجعل محافظات الوسط تغلق أبواب مؤسساتها لتعلن أنها تستجيب لرغبة الشعب في أداء طقوسه الدينية؟ وكلنا يعرف أن تعاليم الدين لا تنسجم مع هذا الأفعال، ولماذا الحكام ينسجمون مع ما هو مخالف لتعاليم الدين لو لم تكن هذه المخالفة منسجمة مع طموحاتهم؟ الأسئلة موجعة والأجوبة واضحة!!
"5"
ربما سيكون حالنا بالصورة التي جسدها الشاعر الراحل سرگون بولص حين يقول
(ربما كان هذا هو المعنى:
أن تترك المحطات خاليةً وراءك.
أن تغادرُ، قبل أن تغادرك الأشياء
وأن تتعلم كيف تحيا، هكذا )