المنبرالحر

مكافأة المجرم إقالته / علي علي

وسط بلد تتسع فيه رقعة الخلافات ومساحة الاختلافات كبلدنا، تتتالى الأحداث وتتوالى وتتنوع، بين مايمر منها مرور الكرام ولايستحق منا الاستذكار فيما بعد، وأخرى تطبع في سجل الذكريات وتنقش يومياتها بالتفصيل الدقيق، والأخيرة بدورها تتنوع بين المفرحة حد الغبطة، والمحزنة حدا يتجاوز البكاء والنحيب والعويل. إلا اننا نلدغ من الجحور مرات تلو المرات، غير ممتثلين لحديث نبينا (ص): "لايلدغ المؤمن من جحر مرتين". فلطالما تجتر الأحداث نفسها لأسباب مستنسخة من أحداث سبقتها، وأولها الخروقات الأمنية، إذ مازالت رغم تغيير القيادات وأصحاب القرار تتكرر أينما وجدت ثغرات - وهي كثيرة - بسبب إهمال وتقاعس لاشبيه ولامثيل لهما، من قبل أفراد مكلفين بحماية أمن العراق والعراقيين، وهم ليسوا مستأجرين من بلدان أخرى او مرتزقة أو تابعين لشركات أمنية، بل هم منتسبون الى وزارات عراقية، وأجهزة خاصة تابعة لمجلس رئاسة الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. ومن اللافت للنظر والغريب حقا..! أن أولى فقرات شروط قبولهم فيها؛ "أن يكون من أب وأم عراقيين". فهم -إذن- ابناء عشائر عراقية أصيلة، علموهم أهلوهم من بديهيات الأمثال الشعبية: (تحزّم للواوي بحزام سبع). فهل أعدّوا العدة للـ (واوي) بما يضمن رده وردعه عن نيته في الإجرام فيكونون إذاك قد نفذوا واجبهم الوطني والمهني والأخلاقي؟ أم أنهم سيسهلون أمره كما حدث في مقامات سابقة يطول فيها المقال ويضيق بها المقام، آخرها التفجييرات المتلاحقة في بغداد في الأيام الماضية، التي طالت المواطنين الأبرياء العزل.
وكالمعتاد.. بعد أن (يوگع الفاس بالراس) وتحلق النسور والغربان في ساحة الجريمة، تكون الـ (كليشة) التي يصرّح بها ناطق مسؤول او جهة مخولة، هي نفسها التي أذيعت سابقا، فالتبريرات والحجج جاهزة ولاتتطلـّب أي مجهود لإعدادها، حيث تقرأ وتذاع في الفضائيات والوكالات من جديد على مسامع العراقيين، لتملأ أوقات فراغ من هو متفرغ من المواطنين، او لتكون مادة إعلامية (دسمة) يتناولها الكتاب والنقاد والمحللون، وهم جادون في طرح مشكلة الخروقات.. مدركون خطورتها، إلا انهم يفاجأون انها من دون حلول ناجعة، بل ان مجالات الخرق واسعة وأبوابها مشرعة أمام المنفذين، وهي قابلة للتطبيق في منشأة أخرى او مؤسسة من مؤسسات العراق.
وبما ان الحل - كل الحل - بيد القائد العام للقوات المسلحة، فهي مناشدة ملحّة من جميع العراقيين، أن يضع حياتهم نصب عينيه، وأن يفعّل مشاريع الحفاظ عليها من تداعيات الخروقات الأمنية، ويجعل هذا الأمر من أولويات مشاريع التنفيذ والتطبيق، وقطعا أن أمرا كهذا يستوجب مد أذرع الجهات الأمنية والاستخباراتية في كل الاتجاهات، ومعرفة العدو بأٌقنعته التي يتخفى بها، وكشفه قبل تنفيذ ما مكلف به من عمليات إرهابية. ولاتتوقف المتابعة على مامطروح في الشارع العراقي فحسب..! بل الاهتمام بـ "مدارس الإرهاب" وأعني بها السجون ومراكز اعتقال المجرمين ولاسيما المدانين بجرائم إرهابية، فإن نسبة لايستهان بها منهم، تشكل حلقات تتصل بين ممولين ومحرضين ومخططين من خارج أسوار السجون والمعتقلات، وبين آخرين ينتمون الى شبكات توغلت عناصرها بين العناصر الأمنية، الأمر الذي يفاقم الخطورة المتوقعة من نشاطات جماعات تستغل الثغرات والهفوات في مفاصل البلد.
الأمر يا قائد قواتنا المسلحة بات يتطلب اتخاذ قرار أشد من إقالة مدير او ضابط مسؤول، ومن غير المعقول ان يكافأ المهمل بواجبه او الخائن بإقالته او بإحالته على التقاعد، إذ تكون الإحالة هذه بمكانة جائزة نوبل له، ليقضي بقية حياته مرفها مع أهله، فيما هو متسبب بإزهاق أرواح العشرات من العراقيين. فالرحمة في موضع كهذا تفتح باب النقمة على من يريدون العيش بسلام بعيدا عمن لاتعرف الرحمة قلوبهم.