المنبرالحر

ما أسباب كل هذه الإخفاقات العسكرية القاتلة؟ / جواد وادي

لا أريد أن استطرد هنا بذكر تاريخ الجيش العراقي ومآثره المعروفة للأعداء وما أكثرهم في يومنا، والأصدقاء والمتابعين لمسيرة هذه المؤسسة الغنية بصولاتها الوطنية والعربية، باقتطاع الحيز الزمني من تأريخها، ذلك المرتبط بفترة الحكم البعثي الفاشي، منذ العام 1968 حتى سقوط الصنم، والذي حوّل هذه المؤسسة الوطنية العريقة إلى منتسبين تابعين بعثيين يأتمرون بأوامر القائد ويتلقون توجيهاته الخرقاء بعد أن زجّها في حروب رعناء ومغامرات طائشة، ونصّب عليها جهلة وبلطجية وفاقدي الخبرة من أفراد عائلته وبطانته من المتخلفين والرعاع، الأمر الذي أساء كثيرا لأمجادها تلك التي توجها الضباط الحقيقيون من ذوي الخبرة والكفاءة والتاريخ العسكري المشرف بالقيام بثورة تموز الخالدة.
إن الحروب الطائشة التي قادها ودفع لها صدام الأرعن، أضرّت كثيرا بكفاءة هذا الجيش الأبي بعد أن دخله أفراد يعدون بالآلاف، لا لحبهم بالعلوم العسكرية وخدمة الجيش العراقي وتحويل هذه المؤسسة إلى درع حصين للوطن ضد الأخطار الخارجية، كل ذلك لم يعد قائما، بل حوّل طاغية العراق وبطانته الجيش العراقي إلى مؤسسة قمعية موجهة لكل من تسول له نفسه للوقوف بوجه الطغيان وتعسف مجرمي البعث ومصادرتهم لحرية وكرامة وحياة المواطن المناوئ للسياسة المنحرفة وللنهج الفاشي والعدواني لهذه الجماعات البعثية الفاسدة. فتحول بمعظم قطعاته وصنوفه من جيش وطني مشبع بروح القتال الوطني الأصيل، إلى فلول خائفة وطيعة ولا مسؤولية لها ولا استقلالية قرار، إلا من الأب ألأخرق.
كان الجهلة يعتبرون أن الجيش العراقي خامس جيش في العالم، وهم لا يعلمون، بأن هذا الترتيب الفنتازي، جاء بسبب إنفاق الثروات الطائلة من ملايير العراق للتسليح والدعاية فقط، ولكن نوعية المقاتل واستعداده الحقيقي للدفاع عن الوطن، والتحلي بالروح العسكرية المقاتلة، كل هذه الأساسيات كان يفتقر إليها المنتمي لمؤسسة صدام، هكذا تحولت وللأسف الشديد، بعد أن جزّئها إلى مراتب وأصناف وشيع، وتشظت بحسب ما أريد لها لتسهيل مهمة انقيادها وتحديد المقربين ورش البركات من أموال ورتب عسكرية، على الخاملين وفاقدي الثقافة العسكرية، بمجرد انتمائهم وولائهم للقائد الضرورة وحزبه الفاشي، وابعاد الشرفاء من القادة العسكريين من ذوي الخبرة والكفاءة والتكوين العسكري العارف بالعلوم العسكرية بمختلف الرتب من المشكوك بولائهم للقيادة البليدة، إما احالتهم على التقاعد أو تصفية غير الموالين له، أو وضعهم تحت رقابة الجواسيس والخونة من فاقدي الضمير وروح المواطنة، لقاء السحت الحرام والحصول على الحظوة، أما الوطن والدفاع عنه والانتماء الحقيقي لهذه المؤسسة وغيرها من التوصيفات التي تحدد ماهية المقاتل الكفء المزود بالعلوم العسكرية، كل ذلك عاد من الثانويات وغير الأساسيات، المهم الدفاع عن الأب القائد ونظام حكمه المجرم وحزبه البلطجي.
وكلنا يعلم ما حصل من كوارث لحقت بالجيش والناس والبنية التحتية للبلد، وما تعرض له العراق من انتهاك لحرماته وتعرضه للاحتلال، بدون موجب، وما سواها من الكوارث، تبينت حقيقة ذلك بهروب كامل القطعات العسكرية من ساحة القتال وإلحاق الهزيمة المنكرة أمام الزحف الأمريكي لاحتلال العراق، وتحول الجيش بكل هيلمته وابواقه إلى شذر مذر، مما أساء كثيرا لتاريخ هذا الجيش العراقي الباسل، تلك كانت بركات الحكم البعثي الذي يطبّل ويزمر له المجرمون والخونة من عراقيين وعربا، والكل مدفوع له طبعا لقاء هذه المواقف الخسيسة.
زد على ذلك ما تعرضت له هذه المؤسسة من تشويه وتتمة الخراب بعد التغيير، حين خضع الجيش إلى المحاصصة ودمج العديد من أفراد المليشيات بغض النظر عن خبرتهم العسكرية وكفاءتهم وتكوينهم العسكري، بل فقط انتماءهم لهذه المليشيا أو تلك، مما خلق حالة من اللا تناسق وعدم الانسجام وفقدان التوازن المطلوب، ناهيك عن تشظي هذه المؤسسة واخضاعها لأهداف المليشيات المختلفة المنقادة من كتلها والمؤتمرة بأوامر أحزابها، وبالتالي بات الانتماء للطائفة واستلام الأوامر منها وليس من القيادة العسكرية هو الأساس، وضعف الانتماء للوطن، فضعف الأداء وباتت هذه المؤسسة منخورة بشكل خطير، وينطبق هذا على المؤسسات الأمنية، من شرطة ودفاع مدني وسواهما.
كل هذا الخراب بسبب نظام المحاصصة المقيت وما جلبه من كوارث وإشاعة الفوضى.
كيف إذن تنتابنا الغرابة وتقض مضاجعنا، ونحن نستلم يوميا أخبارا مزلزلة بسقوط هذه المحافظة وتلك، واحتلال هذا القضاء وهذه الناحية والقرية وهروب المئات بل والآلاف من منتسبي الجيش والشرطة، تاركين أسلحتهم بكل الصنوف، وهذه خيانة عظمى، يبقى الاشكال قائما والأسئلة لم تجد لها أجوبة، ومن باعوا الوطن بالتقسيط لا زالوا على دفة القرار، بل وما زالوا يصولون ويجولون، في حين أن ما تعرض له العراق من انتكاسات وفضائح، عرّت نظام المحاصصة الطائفي المقيت والذي كم حذرنا منه بأقلامنا وليس من سلاح آخر نحتكم عليه، ولكن لا من يستمع أو يكلف نفسه بالمراجعة، وكان يجب لم كل من له مسؤولية لهذا الزلزال المدمر وايداعهم السجون واجراء التحقيقات وإصدار الأحكام بحق من يدان ببيع الوطن وقتل الأبرياء وتخريب سمعة مؤسسة عريقة وتفشي الفوضى والصمت إزاء وجود قتلة ومجرمين جاءوا من أصقاع الدنيا ليعيثوا فسادا وخرابا وقتلا وتدميرا وانتهاكا لأعراض العراقيات، بمساندة ودعم ومباركة عراقيين، والمصيبة أن هؤلاء السياسيين الذين جاءوا بالصدفة والقدر اللعين، هم من يدعم مسلسل الخراب ويدافع عنه على "عينك يا تاجر" وبكل وقاحة واستهانة بمشاعر كافة العراقيين، وهو إما أن يكون برلماني أو وزير أو مسؤول كتلة سياسية، بازدواجية وقحة ، وهذا يعني أنهم يعرفون أن لا شيء يطالهم، لا الآن ولا لاحقا، والناس "نايمة عليهم الطابوقة"، لأن الجميع في قفة واحدة، هي خراب العراق وتدميره وافلاسه وتقسيمه، والبقية "براسهم وراس الخلفوهم".
بعد أن ضمنوا تبييض الملايير وتهريبها وفتح أرصدة في أصقاع الدنيا والطائرة جاهزة ما أن تسخن الحديدة وليحدث الطوفان ودونهم.
والمتسبب لكل هذا المصائب ما زال يحظى بالحصانة ويحتل أعلى المناصب والمسؤوليات.
فهل توجد كارثة أمضى وأشد من هذه؟
نأتي إلى داعش الذي نعلم أنه مدعوم من أطراف عدة أهمها فلول البعث الجرذ من عسكريين ومدنيين ممن ارتكبوا الفظائع والجرائم المنكرة بحق الأبرياء، وهم يعرفون أن ليس أمامهم سوى تسليم لحاهم لأعدائهم وهذا من المستحيل، أو القتال حتى الموت، باحثين عن طرق ووسائل دعم وخونة ومتربصين بإفشال التجربة السياسية المريضة أصلا والتي تعاني من أدران الكون.، لما نخرها من فساد وتغليب الطائفة على الوطن وغياب الوعي لدى السياسيين الذي لا يتعدون بمعظمهم كونهم أنصاف متعلمين وتحركهم المصالح والأطماع والقتال مع الشيطان من أجل السحت الحرام، وحاشى للشيطان أن يصل لما هم عليه من خيانة لكل شيء، الوطن والمذهب والضمير والمبادئ، فماذا والحالة هذه أن تترجى من هكذا مخلوقات رثة؟
من أين لداعش كل هذه القدرة على المناورة والقتال والزحف وإلحاق الهزيمة بالآلاف من الجنود وهم مدججون بكل هذه الأسلحة الخرافية ومدعّمين طبعا بالطائرات عراقية كانت أم للتحالف، والأخبار تأتينا ومفادها أن داعش يتكون من بضعة آلاف من المتخلفين والجهلة الوافدين من أصقاع الدنيا لتأسيس دولة خلافتهم للعودة بالعراق والعالم لقرون التخلف والظلام والبلادة!
أليس هذا ضحك على الذقون وذر الرماد في العيون وزحف الدواعش لا يوقفه أي رادع؟
لعلنا إن كنا نؤمن بالخرافات نقول إن مخلوقات كونية هي التي تقاتل جنبا إلى جنب معهم وتدعمهم بقدرة قادر عليم، وبأسلحة لا نعرف هل هي سماوية أم أرضية، أم شهب حارقة، تصحبهم الملائكة والشياطين والجن وكل مخلوقات الله الخرافية.
والله إن اللسان والتفكير والعقل والقلم يعجز عن تفسير ما يحدث! وهل من المعقول أن الضالعين بمعرفة تفاصيل الوضع في العراق لا يعرفون الأسباب الحقيقة من وراء كل ما يقع؟ وهل من المعقول السكوت عن الأسباب كذلك دون الحراك بقصد محاربتها بكل الوسائل، لأن الأمر يتعلق بمستقبل وطن وخراب شعب وتقسيم عراق. ليس لدينا من جواب سوى أن نوجه أصابعنا للجميع واتهامهم بالخيانة وبيع العراق. وهل خلت الساحة من الوطنيين وممن لا زالوا يحتكمون على ضمير وطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نصل إلى خط اللا عودة ويضيع الخيط والعصفور...
حين يتعرض البلد إلى مخاطر تحف به من كل جانب ولأسباب داخلية وخارجية، يتوجب على العقلاء وذوي الخبرة والكفاءة والوطنية الحقيقية أن يشخصوا الداء وإيجاد الدواء وما يتناسب مع حالة الوهن، أما وأن يكون التشخيص مغايرا للحالة المرضية فيقينا ستؤدي النتيجة للفتك والمحو، وهذا ما يمر به العراق الآن من سياسة ارتجال ورجال لا يفهمون ما يحيط بهم وكيف يقرأون الخطاب الراهن بكل تفاصيله وملابساته، ليتمكنوا من وضع أصابعهم على الخلل والعمل على تلافيه والتصدي له، هذا ما يفتقر له ساسة العراق الذين ما فتئوا يجرون العراق للخراب بارتكابهم الأخطاء المميتة الواحدة تلو الأخرى. لأنهم أصلا طبقوا مبدأ مخزي يقضي بان الرجل غير المناسب في المكان المغري دون حساب النتائج الوخيمة، فكيف نحل هذا الالتباس الذي بات اشتباكا لا يمكن فهمه.
أن داعش هذه التي ملأت الدنيا خوفا وصراخا وتهديدا وإشاعة القتل وكره ومحاربة كل من ليس معهم وتصفيته بأبشع الوسائل، المكونة من مجموعة من البلطجية والمنحرفين وذوي السوابق والموغلين في الجريمة وممن لا يمتلكون ذرة أحاسيس ومشاعر إنسانية وغير إنسانية قد تكون موجودة حتى لدى البهائم ومخلوقات الله من سائر الحيوانات، كيف لهذه المجاميع العفنة والمتسخة والبليدة، أن تحقق مثل هذه الإنجازات العسكرية وتمتد كما النار في الهشيم وتزحف بشكل مخيف باتجاه احتلال مدن وقصبات ومحافظات ومؤسسات عسكرية ومدنية وتدمر ما تيسر لها أن تدمر من معالم وحضارات وبنى وقتل بشر وحرق أبرياء وسبي واغتصاب نساء وبيعهن في سوق نخاسة وما سواها من الفظائع التي يقشعر لها البدن، وهنا ينبغي التأكيد لكل من لا يملك أي رصيد لتأريخ الإسلام، أن كل هذه الفظائع لم تكن وليدة داعش، بل هي الأساس لأهل السلف الطالح ممن لم يستوعبوا حركة التاريخ والتجدد والمتغيرات التي حولت الحياة إلى حالة لم تكن بالمطلق لما كانت عليه في العصور الغابرة والتي عاشت حالات أكثر بشاعة وسادية مما يفعله داعش، وكل ذلك اعتمادا على نصوص وسنة وتوجيهات وأحكام لم تكن من ابتكارات داعش، بل تطبيقات بليدة ومتخلفة، وكأنهم لا زالوا يعيشون في عصر الانحطاط الذي مر به التاريخ منذ مئات السنين وما قرأناه من التفنن الرهيب في طريقة تصفية الخصوم، عبر مراحل الحكم الإسلامي، منذ حكم بني أمية اللعين وحتى من سبقه، لأنهم أولى الأمر وما يفعلونه هو تطبيق لشريعة الله، هكذا علمتهم مدارسنا ومجتمعاتنا ولقنوهم فقهاؤنا، زد على ذلك أن الموجه له الخطاب والتربية والتعليم، انسان أجوف ووعاء فارغ ممكن أن تملأه بما تشاء حتى وأن كان روث البهائم.
إن ما تعيشه المنطقة الآن ومنها العراق هو تحول خطير وزلزال قادم وقع وسيقع في كل أرض ومكان، والزحف سوف لن يتوقف عند حد معين.
فهل أن الدواعش مخلوقات كونية تدعمهم وتباركهم وتشد من عضدهم ملائكة أو شياطين أو أبالسة، ليشعروا أنهم العماليق الذين لن يعرفوا الهزيمة وهم يلقنون "الأقزام" دروسا لا يفقهها إلا الضالع في الإيمان على طريقتهم هم.
ليس لنا من تفسير لما يحدث من اندحارات متواصلة ومذلة وصلت إلى ترك الجيش لأماكنه وأسلحته وحتى ملابسه كما حدث في الموصل المنكوبة والرمادي الجريحة، إلا سبب واحد هو أن الجيش لم يكن وطنيا لا شأن له بالسياسة والطائفة والمذهب والقومية، بل هو لملوم من هذا وهذاك ولا شأن له بالعلوم العسكرية ولم يلقنوه معنى الوطنية وبالتالي حدث ما حدث، فهل يعيد الساسة ترتيباتهم ويتبينوا الخلل الذي بات واضحا جدا للطفل الرضيع؟
الأمر متروك لذوي العقل والنباهة والرجاحة والانتماء للعراق الذي خذله أبناؤه ويا حسرتي عليه.
أسرعوا بإيجاد الحلول في التو والساعة قبل أن يكنسكم التسونامي الداعشي أيها العراقيون أينما كنتم وبكل طوائفكم لأن الخطر الداهم لم يعد يستوعب الانتماء لكل هذه المكونات بطريقة فجة وانانية وكارثية.