المنبرالحر

وتجمعنا "عراقيتنا" / د. مزاحم مبارك مال الله

في كل امتحان أو اختبار أو لحظة عطاء، هناك قرار. فالحسم مطلوب ،وحينها تدخل كل موازين الدنيا في مختبر الوطنية والإنسانية والتشبث بالقيم العليا، وهذا ما يعني أن الوطني ـ الإنساني ـ العالم،(وأزيد المسؤول الأمين)، عليه أن يتخذ القرار بما يخدم المصلحة العامة بغض النظر عن أية اعتبارات فكرية أو طائفية أو قومية، وما يستحضر لحظتها غير العراق، أرضاً وشعباً. فالعراق في محنة حقيقية، ومن أشكالها محنة النازحين والمتمثلة بكل أوجه الحياة والتفاعل الاجتماعي، ويبدو لي أن المحنة الصحية تقف على رأس كل تلك التفاصيل ،فحياة النازح (وبالتالي المجتمع كله)، مهددة قولاً وفعلاً، فغياب الظروف الصحية (البشرية) وتراجع الأوضاع البيئية التي يعيشون بها، يعني أنهم البؤرة أو البؤر المرشحة لانفلات زمام الأمور الصحية وحصول ما لا تحمد عقباه من أوبئة سريعة الانتشار كالكوليرا والتيفوئيد والتهاب الكبد الفايروسي والتدرن وأمراض جلدية خطيرة ، اضافة الى الأمراض التنفسية والتي مهما تكن بسيطة فأنها تشكل خطرا حقيقيا على الأطفال وعلى الكبار ذوي الأمراض المزمنة، هذا الى جوار الضغط النفسي.
كل ذلك يتطلب توفير أجواء أقل ما تمتاز به هو الحد الأدنى من الظروف الصحية والتي تمنع انتشار الأمراض، وهذا يعني من الناحية العملية توفير السكن اللائق بآدمية الإنسان، وللأسف فأن الغالبية العظمى من النازحين لم يحصلوا على هذا المستوى من الاهتمام، رغم بعض الإجراءات السريعة والجهود التي بُذلت، الاّ أن الجهات الرسمية العليا وصاحبة القرار بإطلاق الأموال اللازمة للقيام بالواجب الإنساني تجاه النازحين ،لم تتعاون مع الجهات التنفيذية، وهذه هي معاناة محافظة بغداد ومجلسها، فالعقدة تكمن بغياب قانون الطوارئ وكذلك بلعنة الفساد والمفسدين!
ورغم هذه الصورة التي لا تسر، فالوطن فيه الكثير من الخير، وفيه الكثير من الخيرين والخيرات، وفيه الكثير من الذين يختلفون معك أيديولوجياً ولكنهم متفقون معك بل ويلتقون معك في ساحة حب الوطن والشعب والعمل والبناء والنزاهة وكرهاً بالظلم والفساد والعبث والتخلف، وعشقاً بالمستقبل والعدالة الاجتماعية.
نعم، جاسم البخاتي الموسوي ..مثلاً أنه النائب الأول الفني لمحافظ بغداد، رجل ميداني، يحب الشعب والوطن، يكره الفساد بل ويطارده، نقي السر والسريرة، الديمقراطيون وكل الذين يعملون بصدق، هم الأقرب الى نفسه.
قابلته، ورحب.
سهّل أمر زيارتنا للنازحين، بل أوصى بذلك.
يعرفني شيوعي، وأعرفه إسلامي، يعرفني طبيب أنساني وأعرفه رجل موقف، أبوابه مشرعة، واستقبل مؤخراً وفد الحملة الوطنية لدعم النازحين وأبدى الاستعداد الكامل لدعمهم ودعم النازحين.
سيدي، أنت مسلم وأنا لست بمسلم، أنت مسؤول في الحكومة، وأنا لست كذلك، أنت من أبوين هما ليسا أبويّ، أنت أداري وأنا طبيب.
وكلانا ميداني، فأنت تخرج الى الناس وتتفقدهم، وأنا كذلك احمل أدواتي الطبية والعلاجات وأذهب بها الى الفقراء والنازحين.
التقيتك و(بالصدفة) في مجمّع النهروان للنازحين، فرأى أحدنا الأخر كما نحن دون تكليف او تزييف. شاهدت بأم عيني كيف تتعامل مع المواطنين في مكتبك وعرفت أنك تتابع أخباري في خدمة الناس، شعرت حينها بالفخر والزهو، ان في وطني .. مسؤولين طيبين. أيقنت أن أحدنا يكمّل الأخر ،فما يجمعنا.. عراقيتنا.. فدمت لنا ولغيرنا.