المنبرالحر

التاريخ أعاد نفسه قَبَل أو رَفَض محمد مرسي / مصطفى محمد غريب

المتشبثون بالسلطة في أي مكان يتشابهون في أنانيتهم المفرطة للهيمنة والسيطرة واستحواذهم على كرسي الحكم والبقاء فيه مهما كلف الأمر بما فيه التضحية بأرواح الآلاف من الشعب، ويبدو أن تجربة مصر في هذا المجال أوضح بالنسبة لمحمد مرسي وحزب الإخوان المسلمين " الحرية والعدالة " أو أي اسم يدعيه بتمثيلهم، فهم وبعد معاناة طويلة وادعاءاتهم بالحكم المدني والديمقراطية وتبادل السلطة سلمياً والالتفات إلى مشاكل الجماهير الكادحة المصرية فقد ركبوا موجة التشبث بالسلطة على الرغم من تجربتهم مع الأنظمة السابقة ومعرفتهم الفرق بين الظالم والمظلوم، وبدلاً من الاستفادة من تجارب مرت على مصر أو الدول العربية في قضية الاستئثار بالسلطة وسياسة القمع والإرهاب ضد المعارضين والشعب فقد ركبوا الموجة خادعين أنفسهم بأنهم الورثة للحق الإلهي والدين الإسلامي والشريعة للحكم في مصر تحت شعارات ملونة تتداخل ما بين المدنية والدينية لكن جوهرها إقامة الدولة الدينية وفق مفهوم الأيديولوجية السياسية الاخوانية للتشبث بالسلطة والهيمنة على مفاصل الدولة خطوة تلو خطوة ومفصل تلو مفصل ويكون بذلك قد استطاعت هذه الحركة أن تفرض بالقوة ما تهدف إليه بحجة الشرعية، ثم توجيه آلة القمع وإرهاب المعارضين ومحاربة أية معارضة أو مخالفة لتوجهاتها والمطالبة بالديمقراطية والحريات العامة والشخصية، لكن هذا المخطط ومفرداته ومحاولات محمد مرسي منذ البداية اصطدمت بشي اسمه الإرادة الجماهيرية المصرية فهبت الملايين لتقول كلمتها الأخيرة أن لا للقمع وحجب الحريات ولا لخطط الأخوان في الهيمنة المطلقة وإعادة مصر لعهد التسلط تحت واجهة الدين والشريعة الإسلامية والهدف النهائي هو التخلص من أية معارضة والبدء بوضع دعائم الدولة الدينية.
الملايين من الشعب المصري التي خرجت معترضة ومعارضة غيرت المعادلة التي كانت تعتبر وحسب اعتقاد أحزاب الإسلام السياسي في مصر أنهم الأكثرية فأثبتت هذه الملايين أن لا أكثرية مطلقة ولا أقلية باقية إلى الأبد في عصر التحولات الكبيرة نحو الدولة المدنية والديمقراطية والحريات المدنية، وأرغمت هذه الجماهير القوى الدينية السياسية المصرية على التراجع في الفهم الخاص بأنها تستطيع فرض نوع الحكم الذي يخططون له ، وتصور ألإخوان المسلمين وحزبهم ومن لف لفهم عندما حطوا يدهم على السلطة ووفق الشرعية ونقولها بكل ثقة وفق الشرعية الانتخابية أنهم خالدون فيها إلى الأبد وتناسوا أن الانتخابات الرئاسية لم تكن نزهة عابرة فقد انقسم الشعب المصري إلى قسمين لهم وعليهم وهذا نذير خطر لو أدرك قادتهم جوهر الشرعية والانتخابات والمزاج الجماهيري، ومن تصورهم الخاطئ أنهم خالدون في السلطة وان الشعب المصري أو أكثريته سوف تخضع لمشيئتهم المطلقة وسوف تبقى هذه الأكثرية ( 30 ) عاماً أخرى مطيعة وغير قادرة وبعدما تمر المدة مثلما مرت على حكم حسني مبارك تقوم بالتغيير، وراهنوا على تحييد الجيش المصري وكأنه خارج اللعبة وخارج الشعب وتناسوا أيضاً أن هذا الجيش وأفراده هم من مكونات الشعب المصري ومهما تظهر عليه قضايا الحياد بين أطراف العمل السياسي سوف ينحاز في آخر الأمر لمصلحة الشعب ومصلحة مصر بالدرجة الأولى، ولهذا كان المنقذ هذه المرة رافضاً الوقوف بجانب الظلم والتخلف وحاسماً الموقف الذي أوقف التدهور والانزلاق نحو الدكتاتورية الدينية وانقسام الشعب الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية واسعة وخلق الفوضى والاضطرابات مما يخلق مزيداً من الويلات والضحايا، لقد تصرف محمد مرسي على الرغم من شرعية انتخابه وكأنها شرعية مقدسة لا يمكن أن يقول له أحداً انك تتخذ موقفاً حزبياً اخوانياً بدلاً من أن تكون رئيساً منتخباً لجميع فئات الشعب وتدافع عن مصالحه قبل أي فئة حزبية سياسية أو دينية، ولم تنفع معه التحذيرات التي طلبت منه إصلاح ما اتخذ من قرارات والعودة إلى مصلحة الشعب لكن دون جدوى بل زادت الأمور تعقيداً بعد خطابه الأخير المتعنت الذي استخف به من الشعب المصري الذي خرج بالملايين بالضد من قراراته الاخوانية واثبت أن استخفافه وعدم احترامه لما قدم له من نصائح هو استمرار التشبث بالسلطة مهما كانت النتائج محاولاً تفسير الشرعية كمقياس قاسها على ما يفكر به وما يفكر الأخوان وحزبهم به أما الرفض من قبل أكثرية الجماهير وعدم قناعتها بهم ورفضهم لمنهجهم السياسي فيعتبر ثانوي ولا أهمية له، إن الشرعية التي يكتسبها السياسي لا تعني أنها صك الغفران أو أنها بطاقة المرور إلى الجنة ولا يمكن اعتراضها إذا ما أصبحت عثرة في تحقيق ما تصبو إليه أكثرية الشعب من عدالة وحرية وديمقراطية وحياة معيشية تساعد على انتشال الملايين من الفقراء من واقعهم المزري وتقديم الأفضل لهم، ولا تعني الشرعية تدمير الاقتصاد الوطني وتحويل مؤسسات الدولة من العام إلى مؤسسات يتحكم فيها حزب أو جماعة سياسية معينة وهذا ما حصل إثناء تولي محمد مرسي رئاسة جمهورية مصر وما حصل من قبل الأخوان المسلمين وحزبهم والبعض من جماعات الإسلام السياسي عندما اعتبروا مصر مُلكاً خاصاً بهم وإذا بهم يتجاوزون على حقوق فئات الشعب ويشنوا حملات شرسة بالضد من الثقافة التقدمية والتنويرية وبالضد من الفن والفنانين ومحاولاتهم للهيمنة على دور الثقافة ومحاصرة المؤسسات الإعلامية وغيرها من الممارسات اللاديمقراطية التي تحاول الاستحواذ والهيمنة وفي مقدمتها تمرير قانون السلطة القضائية حتى بعدما رفض المجلس الأعلى للقضاة تعيين محمد مرسي المدعي العام الجديد وملخص القول إن انتفاضة الملايين بالضد من محاولات حرف الثورة كان توجهاً منظماً جمع مختلف القطاعات من مؤسسات الدولة والشرطة والقضاء فضلاً عن مختلف فئات الشعب المصري التي طالبت أخيرا برحيل محمد مرسي لأنه لم ينصاع إلى التحذيرات والمطالبات بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو لإلغاء قراراته غير الديمقراطية وبالضد من القوى الليبرالية والعلمية وهذا ما أكد عليه الحزب الشيوعي المصري بعد خطاب محمد مرسي الأخير والذي اعتبره " مسماراً أخيراً في نعش نظامه وجماعته " وبتبجحه بالشرعية التي يرى فيها السيف المسلط على رقاب الجماهير واعتباراها مبرراً في خرقه للدستور أو محاولاته وجماعته الهيمنة عليه وتسيره كما يرغب وأشار الشيوعي المصري بكل وضوح " لعل أكثر كلمة تم ترديدها في هذا الخطاب المشئوم هي "الشرعية"، ولا يدرى أحد أي معنى للشرعية يقصد ؟؟ فهل تعني أطلاق يده في تدمير اقتصاد البلاد والانقضاض على مؤسساتها والانتقاص من سيادتها وتخريب وحدتها الوطنية؟ وهل تعني البقاء جاثما على قلب الوطن رغم الرفض العارم له ؟ وهنا ينتقل الموضوع إلى سؤال مهم بعد أن عرض فيديو يخص محمد مرسي واجتماعه مع جماعته الأخوان المسلمين ـــ هل يحق لرئيس الجمهورية محمد مرسي أن يناقش خطط العمل السياسي مع مكتب " الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين" ويجعل هذا المكتب أن يتدخل في شؤون الدولة وقرارات رئيس الجمهورية أو على أسرار الدولة وهي منظمة محظورة حسبما يعرف؟ إلا يعرضه إلى المحاسبة القانونية؟ ثم كيف يمكن لرئيس الدولة أن يناقش خطط العمل السياسي بوجود دستور ومؤسسات قضائية وقوى سياسية كبيرة مع مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ؟
أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حافظ على وحدة مصر بعد تنحي حسني مبارك واشرف على إدارة البلاد للفترة الانتقالية حتى الانتخابات الرئاسية وسلم السلطة إلى محمد مرسي بكل ترحاب ولم يكن معارضاً له ولطالما أعلن حياده بين الأطراف السياسية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وجبهة الإنقاذ وأحزاب ومنظمات علمانية أخرى ووجد أخيرا أن تمادي محمد مرسي وتعنته قد يدفع إلى الحرب الأهلية ولهذا لبى نداء الملايين التي خرجت معترضة والمطالبة برحيل محمد مرسي وشرعيته التي أصبحت ملازمة للدكتاتورية الدينية مفهومها ألإخواني وقد حدد مسار التوجهات الجديدة الرئيس الجديد المستشار عدلي منصور بسن دستور جديد يتيح الانتقال السلمي للسلطة ووفق رغبة أكثرية الشعب المصري ، لقد أعاد التاريخ نفسه بشكل آخر ولكن بجوهر العزل الذي طالبت به ملايين الشعب المصري وهي عبرة لا يستفيد منها الحكام المستبدين والمتشبثين بالسلطة على الرغم من أنهم نكرة لا تريدهم شعوبهم وتطالبهم بالتنحي لإقامة العدالة وتحقيق الحريات والديمقراطية.