المنبرالحر

المثقفون والفكر الارهابي / محمد فخري حسن

لقد تنازع السيطرة على الساحة الفكرية والثقافية تياران (وان كانا من مرجعية واحدة أحيانا) كل يحاول الإمساك بتلابيب الزمن واللحظة التاريخية فكان هناك تيار الاعتزال بذوره الأولى) الذي وجد ان مصلحة الآمة تقتضي تحكيم العقل والإنصات إلى صوته وتحكيمه في مايستجد .... مقابل المدرسة السلفية الاخرى التي ذهبت الى التمسك الحرفي بالنصوص الدينية وبما تم الحكم به خلال البعثة النبوية ومرحلة الخلافة العربية الأولى زمن الراشدين متجاهلة التطورات التي فرضتها الحياة على واقع العرب والمسلمين نتيجة التوسع في الفتوحات والاحتكاك مع الأقوام الأخرى وما استجد من سلوكيات تبعا لذلك (رغم إن الخلفاء لم يكونوا في إدارتهم للدولة العربية الإسلامية مثلما ذهب السلفيون إليه) ؟!
وتعرض المفكرون والمثقفون الأحرار العرب والمسلمون إلى الاضطهاد والقمع الشديدين على أيدي هؤلاء المتأسلمين الإرهابيين من خلال استغلال العاطفة الدينية عند عامة الناس ومن خلال خطاب تضليلي ارتدادي قائم على أثارة الغرائز والعواطف مع لغة متشنجة تعتمد الصراخ والبكاء على الدين والملة والمذهب والخوف عليه من الانحراف والضياع ؟! في الوقت الذي كان هؤلاء خلال فترات تاريخية طويلة في تحالف إجرامي نفعي ارتزاقي مع السلاطين والحكام الذين وظفوهم لاضطهاد الرعية مقابل ما يغدقونه عليهم من أموال وعطايا. فكان من ضحاياهم غيلان الدمشقي والجعد بن درهم والجهم بن صفوان وعمر بن عبيد ومنصور الحلاج واضطهاد أعظم حركة فكرية عقلانية في التاريخ العربي ألا وهي فرقة المعتزلة .
وما زال المثقفون العرب والمسلمون المتنورون يتذكرون بأسى كبير ما حدث لفقيه قرطبة الإمام القاضي العلامة الأوحد.. ابن رشد الذي أحرقت كتبه في الأندلس واتهامه بالكفر بدعوى انه خرق الإجماع .. في الوقت الذي تلقف الاوربيون كتبه وأسسوا عليها.
وفي العصر الحديث حيث امتلأ التاريخ المعاصر بضحايا الإرهاب الفكري والثقافي ففي عام 1924تم تجريد الشيخ المصري الأزهري علي عبد الرازق من شهادته الأزهرية نتيجة لإصداره كتابه (الإسلام وأصول الحكم) وعانى بعدها من عزلة نفسية ومجتمعية نتيجة الضغوط التي تعرض لها وقضى بقية حياته في بؤس ومعاناة.. ومنع وحرق كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي عام 1926، وكذلك تم حرق مؤلفات الكتاب والمثقفين واغتيال المفكرين كما حدث مع الشهيد القومي العربي ناصر السعيد وتحول الجزيرة العربية إلى قاعدة صلبة للجهل والتجهيل تحت يافطة الدين وحراسته بينما قتل المفكر الفارسي احمد كسراوي أيضا نتيجة إحدى الفتاوى بحقه. ومع تحالف الإخوان المتأسلمين في السودان مع نظام النميري كان الشهيد محمود محمد طه عربون (محبة) قدمه نميري للإخوان المتأسلمين نتيجة وقوفهم معه ضد القوى الوطنية والقومية السودانية الأخرى، بينما كان لبنان العربي قلعة التنوير مسرحا لتصفية المفكر والباحث في الفلسفة العربية الإسلامية حسين مروة وهو شيخ كبير طريح الفراش في بيته وقد بلغ الثمانين من العمر حيث أجلسوه وأطلقوا عليه رصاصة من الخلف وثبت لاحقا إنها حركة دينية متطرفة قامت بهذه الجريمة.
ومازالت قضية الدكتور صادق جلال العظم نتيجة كتابه - نقد الفكر الديني - الممنوع من دخول أكثر الأقطار العربية - وفتاوى التكفير تلاحقه - حيث حوكم وسجن لفترة قصيرة.
بينما شهدت مصر العروبة جريمة بشعة بحق المفكر العربي التنويري فرج فودة عام 1992 بناء على فتوى صدرت من الأزهر بانه علماني كافر! قتله بائع سمك، وعندما سئل في المحكمة لماذا قتلت فودة؟ أجاب لأنه كافر، سأله القاضي كيف عرفت؟ هل قرأت شيئا مما كتبه؟ أجاب القاتل لا، سأله القاضي لماذا؟ أجابه القاتل لأنني أمي لا اقرأ ولا اكتب، بينما كان عام 1994هو الذي شهد طعن نجيب محفوظ الكاتب العربي الوحيد لحد الآن الفائز بجائزة نوبل أيضا تحت يافطة التكفير من قبل شيخ متاسلم اسمه عمر عبد الرحمن والذي قال (لو نفذ قتل نجيب محفوظ في اولاد حارتنا وهي رواية لمحفوظ- لتأدب سلمان رشدي) وتقدم عدد من شيوخ التاسلم والإرهاب في الكويت بدعوى قضائية ضد المثقف العربي الكويتي احمد البغدادي نتيجة ما نشره في كتابه الرائع - تجديد الفكر الديني - حيث سجن عام 1999وفي دعوى مماثلة طلب أيضا سجن الأديبتين ليلى العثمان وعالية شعيب .
وفي عام 2002طالبت إحدى المحاكم النيجيرية بقتل ليسوما دانيال بسبب تنظيم مسابقة ملكة الجمال وفي العام نفسه أصدرت إحدى محاكم إيران حكما بإعدام المفكر هاشم أغا جاري جرى تخفيفه إلى السجن بعد ذلك، بينما شهدت المحاكم المصرية قضية كبرى هي رفع دعوى ضد الأستاذ في جامعة القاهرة قسم اللغة العربية نصر حامد أبو زيد بتفريقه عن زوجته وقد أصدرت المحكمة قرارا بذلك ورفضت الزوجة الامتثال له لإيمانها بان الحكم كان سياسيا، وهربا بعدها - نصر وزوجته - إلى هولندا ليبقى فيها سنوات عدة لاجئا هاربا قبل ان يتم اغتياله في اندونيسيا بغاز غامض؟ ولم يخف احد شيوخ التأسلم الإرهابي فرحته بمقتل أبو زيد بحجة إن ذلك كان عقابا إلاهيا، وسجن الكاتب احمد صبحي منصور وهرب إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد فصله من الأزهر بينما كان القضاء المسيس زمن مبارك السيف المسلط على رقاب المبدعين في مصر حيث رفعت قضايا ضد يوسف شاهين واحمد معطي حجازي وعاطف العراقي ومكرم محمد احمد، بينما كان السجن نصيب صلاح الدين محسن ثلاث سنوات نتيجة صدور كتابه - ارتعاشات تنويرية - وكذلك ثلاث سنوات ايضا لعلاء حامد بسبب روايته مسافة في عقل رجل.. وعادت نفس اللعبة لتفريق الكاتبة المعروفة نوال السعداوي عن زوجها الدكتور شريف حتاته لكنها فشلت هذه المرة، بينما انسحب الكاتب الناقد سيد القمني من الساحة وامتنع عن الكتابة نتيجة تهديد وصله بالانترنيت .
ولقد اتهمت النيابة العامة في إحدى محاكم الخرطوم يوم الاربعاء 4-5-2005 الصحفي السوداني محمد طه محمد احمد بالتطاول على النبي محمد (ص) وطالبت بانزال عقوبة الإعدام على وفق ما علم من مصادر قضائية. وأوضح عضو في النيابة العامة موسى محمد علي ان المقال يعتبر انتهاكا للقانون الجنائي الذي يعاقب على تحقير الدين والمعتقدات .
إن هذا الاستعراض المؤسف لحال المثقفين في ظل الصعود لفتاوى التكفير والتحريم المتسلفة من قبل جماعات دينية مرتبطة بالرأسمال العالمي في الوول ستريت ومصارف الغرب الذي تصفه بالكافر وتمارس معه تحالفا استراتيجيا منذ عقود يصب في صالح المشروع الصهيوني والغربي الساعي إلى الهيمنة على مقدرات العرب والمسلمين بواجهة دينية- فقهية كان لها رجال السلفية خير عون لهم في وقف التجديد والتطور في امتنا من خلال ما ذكرناه وهو يسير مما جرى ويجري للثقافة والمثقفين التنويريين.