المنبرالحر

المصالحة الوطنية .. سعي مثابر لانتشال البلاد من خندق الطائفية والاحتراب / لفته عبد النبي الخزرجي

في ضوء مذكرة الحزب الشيوعي العراقي إلى الرؤساء ونوابهم وقادة الكتل والأحزاب ، يتجلى المعدن العراقي الأصيل ، وتبرز معالم النظرة الوطنية الواقعية المرسومة باستيعاب كامل وصدق ومسؤولية ، لما يواجه بلادنا من مصاعب ومخاطر وتحديات.
إن المصالحة الوطنية ليست شعارات أو مزايدات سياسية أو ثيابا يمكن أن نرتديها لنوضح رغبتنا في المصالحة الوطنية ، أنها عمل مثابر ودؤوب وحرص شديد على وحدة بلادنا وحماية ثرواتها والحفاظ على نسيجها الاجتماعي ، بعيدا عن سياسات الفســـاد و المحاصصة والإقصاء والتهميش وقد ثبت في تجارب معروفة في العالم ، أن المصالحة الوطنية إذا ما تم بناؤها على أسس رصينة فإنها بلا شك تشكل دعامة "ومدخلا هاما وأساسيا لإعادة ترميم واقع الدولة والمجتمع وضرورة لا غنى عنها لوضع عملية الانتقال الديمقراطي الجارية في البلاد على السكة الصحيحة " 1
لماذا يؤكد الحزب الشيوعي العراقي ، وبشكل متزايد ومتواصل ، على أهمية وضرورة المصالحة الوطنية ويعطيها هذا الاهتمام الاستثنائي ؟
إن هذا السعي الدؤوب ، والمثابرة والتواصل ، والعمل دون كلل او ملل ، لإيصال فكرة المصالحة الوطنية إلى مرحلة النضج ، إنما يدلل على أصالة هذا الحزب وإخلاصه للقضية الوطنية وإيمانه الراسخ بأهمية العمل المشترك وبناء جسور الثقة مع الأطراف السياسية بمختلف توجهاتها الدينية والقومية ، ومن حيث المبدأ ، على القوى والأحزاب والكتل السياسية ورموزها وقادتها ، أن لا تضيع الفرصة وان تعمل مع بعضها جاهدة ، وان " يكتسب موضوع المصالحة الوطنية وبناء الوحدة الوطنية أهمية متزايدة ، لا بل له الصدارة بين الأولويات التي تواجه الحكومة ?لقائمة والكتل السياسية المشاركة فيها وعموم قوى الشعب السياسية وجماهيره "2
ونحن في وقت اشد ما تكون الحاجة فيه ماسة لبناء علاقات تتسم بالتسامح والوضوح وبناء الثقة ، لان البلاد لا تتحمل المزيد من التناحر والتباعد والصراع .
وعلى أساس أن " المصالحة نهج ونمط تفكير وطريقة أداء وإجراءات عملية وأجواء ثقة ، وهي مطلب آني وملح غير قابل للتأجيل في الظرف الراهن الذي يمر به عراقنا ، ويصعب الحديث عن أي استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ومؤسساتي من دونها "3 ، فإن باب المصالحة يجب أن تأخذه القوى الوطنية المسؤولة مأخذا جادا وان تنظر له بمنظار دقيق وان لا تستثني أحدا إلا " المناهضين لإقامة العراق الديمقراطي الاتحادي ومؤسساته ، من الإرهابيين والمخربين وتحت أي مسمى كانوا وبأي غطاء تلحفوا . "
ولأن الحزب الشيوعي العراقي ، حريص على مستقبل العراق ، ومناضل عنيد منذ ثمانية عقود من اجل الوطن الحر والشعب السعيد ، وقدم قوافل من الشهداء ، في ظل حكومات " تميزت بالتسلط والاستبداد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، وفي مقدمتها حقه في الحياة " فلابد أن تكون له بصمة واضحة في عملية المصالحة الوطنية ، ولذلك جاءت المذكرة التي رفعها الحزب إلى الرؤساء ونوابهم وقادة الكتل والأحزاب ، لتضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية ، لان بلادنا تتعرض لعدوان شرس من عصابات داعش المتوحشة وما يرافقها من تدخلات دولية وإقليمية مشبوهة ، وقد تضمنت تلك المذكرة " جملة عوامل توجب المصالحة الوطنية باعتبارها من أولويات الحكومة الحالية ."
إن الشيوعيين من أوائل الحركات السياسية التي دعت إلى المصالحة الوطنية ونبذ الطائفية والتطرف و المحاصصة ، وبناء المؤسسات الحكومية على أساس الهوية الوطنية ، وتشريع القوانين التي لها مساس مباشر بتنظيم الحياة المدنية وتحقيق السلم الأهلي والعدالة الانتقالية .
ولذلك فقد حدد الحزب وبشكل واضح تماما ، مساحة المصالحة وحدودها ، ورسم معالمها بحيث " لا تشمل من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين ومن يتمسكون بنهج حزب البعث الصدامي ، ومن لهم صلة من قريب أو بعيد بالإرهابيين ، في مقابل شمولها جميع من يؤمنون بالعملية السياسية بآفاقها الديمقراطية ، وبالعمل السلمي والدستوري ." ومن ابرز ما أكدته المذكرة ، هو "إن تحقيق المصالحة الوطنية بين القوى السياسية المعنية بأمن واستقرار العراق وبنائه الديمقراطي ، ليس مهمة الحكومة وحدها ، وإنما هي مهمة أساسية ورئيسية لكل الأحزاب والقوى السياسية لجماهيرها ولكل مواطني بلدنا . "
وعلى أساس هذا الوعي بأهمية وضرورة المصالحة الوطنية ، ودورها الكبير والفعال في " انتشال بلادنا من الأزمات التي تحيق بها " ، وما يمكن أن يتحقق ، على طريق التلاحم الوطني وبناء الثقة بين الأطراف السياسية ، عندما تحصل الاستجابة لنداء الحزب ، وما يمكن ان توفره هذه الفرصة التاريخية ، في إيجاد الأرضية السليمة ، والتفكير " السياسي الناضج والمستوعب لدروس التاريخ وخبرته ، والتفاعل مع حقائق الواقع " لدفع عجلة الحوار بين أطراف العملية السياسية إلى مديات أوسع لتشمل انضمام " أوسع ما يمكن من القوى ذات التوجه الحقيقي لإعادة بناء العراق على أسس ديمقراطية حديثة ومتوافقة مع مبادئ الدستور والبناء الاتحادي للدولة ، وعلى وفق معايير واضحة مرنة وقادرة على استيعاب التنوع ."
لم تترك المذكرة جانبا من جوانب العملية السياسية ، إلا وتحدثت عنه او تناولته او أشارت إليه. ولذلك يمكننا القول أن مذكرة الحزب الشيوعي العراقي ، قد جاءت في وقت مناسب جدا " وان من شأن إحراز تقدم في هذا الملف الحساس أن يوفر مستلزمات دحر داعش وكل أشكال الإرهاب ، واستعادة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية ، وانطلاق عملية الاعمار والبناء بخطوات ثابتة نحو بناء مؤسسات الدولة."
لكننا نعتقد أن المصالحة الوطنية ورغم معرفة الجميع بضرورتها الملحة لن يكتب لها النجاح في ظل الصراعات والاحتراب السياسي وعدم ضبط الخطابات المتشنجة والمحرضة ، ونظام المحاصصة الطائفية المقيتة ، والفساد المالي والإداري، والتدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي ، وتواصل العمل بنظام المكونات وتقسيم المغانم على أساسها ، دون مراعاة لحاجة البلاد إلى " ضرورة فتح صفحة جديدة في حياة البلد ، وفي العلاقات بين أبنائه على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والثقافية." لمواجهة التحديات الخطيرة التي تعصف ببلادنا. لذلك جاءت المذكرة لتضع النقاط على الحروف ، وتدعو الجميع الى "التحلي بقيم التسامح والسلام والحوار والتحضر ، والعمل على إطفاء بؤر الفتنة والحيلولة دون تأجيج المشاعر وإشاعة روح الخصام والفرقة ، " وان يكون العراق حاضرا بجميع أطيافه وقومياته وأديانه وأحزابه السياسية ومنظماته الاجتماعية ونقاباته العمالية واتحاداته الأدبية والفكرية والثقافية ، و " ضرورة إيقاف الحملات الإعلامية والدعائية والنشر الطائفي والاستفزازات المتبادلة وردع من يقف وراءها ، وملاحقة منابر التشويش " للوصول الى قناعة الجميع بأن العراق /الوطن / ليس ملكا لأحد ، انه التاريخ والحضارة والتراث ، انه الأرض والشرف الوطني والإنسان ، انه الامتداد العميق في التراب الوطني ، والغوص في كل المعاني التي تجعل من العراقي مدافعا ثابتا عن وطنه ضد فلول الإرهاب والتطرف .
أن الأمل يحدونا ، والعراق يدعونا ، والتاريخ يلاحقنا ، والفرصة حاضرة ، والوطن ينزف ،ومطلوب من رجال العراق وأحزابه السياسية والرموز الوطنية وكل المخلصين والشرفاء أن يتوحدوا تحت خيمة المصالحة الوطنية و"ضرورة خلق الظروف والأجواء اللازمة لتفعيل المساهمة الشعبية وتعبئة الجماهير ، وتحويل المصالحة الوطنية الى تيار شعبي وطني جارف ."
وفي البلاغ الصادر عن الاجتماع الدوري للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الذي عقد في 17 نيسان 2015م في بغداد ، ونشرته الجريدة المركزية للحزب "طريق الشعب " بعددها 178 في 23نيسان / الخميس 2015 . جرى جاء التأكيد على أهمية وضرورة ان " يكتسب موضوع المصالحة الوطنية أهمية فائقة ، لا بل له الصدارة بين الأولويات التي تواجه الحكومة والكتل السياسية المشاركة فيها ، وعموم قوى الشعب السياسية وجماهيره " ويأتي هذا التأكيد في إطار حرص الحزب الشديد والمسؤولية الوطنية التي يتحملها ، وما تشهده بلادنا من " تطورات وأحداث كبيرة تضعها أمام تحيات جسيمة ، يتوقف تحديد معالم عراق المستقبل إلى حد بعيد على طريقة مواجهتها وتوفير متطلبات النجاح في تخطيها ."
وعلى هذا الأساس "وارتباطا بالمعركة المحتدمة ضد الإرهاب وما أصاب الوحدة الوطنية من تصدعات والنسيج الاجتماعي من شروخ وباستمرار التأجيج الداخلي والخارجي " وحيث " تعد المصالحة من أولويات وثيقة الاتفاق السياسي للحكومة ، فلا بد أن ينعكس ذلك في مواقف وتصريحات الحلقات العليا في السلطات الثلاث والكتل السياسية ، وان يتجسد في إجراءات عملية واضحة ، وان يتواصل السير في هذا السبيل حتى نهايته ."
وتواصلا مع نهج الحزب الشيوعي العراقي في التأكيد على موضوعة المصالحة الوطنية ، فإن البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية ، قد أشار إلى ذلك إشارة واضحة ، وأكد الدعوة" إلى عقد مؤتمر وطني شامل ، بعيدا عن الاستعراضات الخطابية والإعلامية مؤتمر تساهم فيه القوى والأحزاب المؤسسة للعملية السياسية والمشاركة فيها ، سواء كانت ممثلة في الحكومة اليوم او غير ممثلة ، ويمكن توسيعه في وقت لاحق ليشمل قوى وشخصيات ومنظمات أخرى "