المنبرالحر

اتـحاد الادباء صرح ثـقـافـي مـهـدد / د. مؤيد عبد الستار

وسط بغداد ، وفي وضح النهار ، يتعرض مقر اتحاد الادباء الى اعتداء اثيم من قبل ثلة ترتدي الزي العسكري دون ان تتمكن قوة حماية الاتحاد المكلفة بهذا الواجب من قبل وزارة الداخلية الدفاع عن المؤسسة الموكول اليها امر الدفاع عنها .
صدرت عدة بيانات استنكار لهذاالعمل وكتب بعض الزملاء عن هذا الاعتداء مدينا له ، لكن الامر الاهم هو الكشف عن العلاقة بين الجريمة والجاني والمجني عليه ، فما هي جريمة اتحاد الادباء لكي يكون الاعتداء عليه بهذه الطريقة المكشوفة ، وبوضح النهار ومن قبل قوات ترتدي الزي الرسمي الحكومي او العسكري .
اضافة الى انها قامت بواجبها بطريقة استعراضية ، من خلال قطعها للشارع المؤدي الى مقر الاتحاد ، واظهرت سطوتها من خلال اعتقال فصيل الحراسة المكلف من قبل وزارة الداخلية بحماية الاتحاد ، وكشرت عن انيابها من خلال الاعتداء بالضرب وممارسة البلطجة تجاه مسؤولي الاتحاد .
ان اتحاد الادباء في العراق هو الجهة التي لم يعرف عنها سرقة الاموال ولا تلقي الرشاوى او المتاجرة بالكلمة ، فلم يستطع اي مسؤول شراء الاتحاد ووضعه تحت ابطيه ، فهيئة اتحاد الادباء ولجانه وادارته ظلت بعيده عن السرقة والدجل والرشوة وهي الاعراض التي سادت مفاصل المؤسسات العراقية الرسمية ، من اعلى هيئة الى ادنى دائرة خدمية ، وقد ضج الشارع العراقي بما يراه من فساد اداري وسرقات ورشى وغير ذلك من اعمال نهب وسرقة للمال العام ونهب المليارات من موارد النفط دون ان يرى مقابل ذلك شيئا من الخدمات او الرفاه الذي يفترض ان يكون قد حصل منذ سقوط نظام صدام عام 2003.
واذا نظرنا الى اتحاد ادباء كردستان ، في اقليم كردستان ، سنجد الاتحاد هناك معززا مكرما ، يحصل على موارد مالية مجزية ، ويحظى الكتاب والادباء الكرد بمكانة لائقة بل متميزة ، وذلك يشمل حتى الادباء والكتاب والصحفيين العرب الذين يقيمون في كردستان سواء في اربيل او في السليمانية ، ففي السليمانية كان الرئيس جلال طالباني يعد نفسه احد الادباء والكتاب وهو كذلك بحق ، لذلك كان لا يتوانى عن تقديم المساعدة الى جميع الكتاب والشعراء والادباء كردا وعربا وتركمانا ، حتى ان صديقنا الراحل الشاعر كاظم السماوي عندما توفي في السويد قبل اعوام قليلة ، اوصى بدفن جثمانه في السليمانية ، ولم يوصي بدفن جثمانه في مدينته السماوة ، لما لا قاه من تكريم واهتمام وتخصيص مرتب له من قبل مام جلال ، في الوقت الذي لم يلق اي تكريم من مدينته ، وهو المناضل الذي ناضل وافنى عمره في سبيل بلاده ، شعرا وعملا وكتابة وصحافة ، فكان هو اول من اصدر صحيفة بعنوان الانسانية في العراق بعد ثورة تموز المجيدة .
كما يحظى الادباء الكرد والعرب والتركمان وغيرهم على تقدير كبير في اربيل ، سواء من قبل الجهات الرسمية الممثلة بشخص السيد ناجيرفان برزاني او رئيس الاقليم مسعود البرزاني نفسه ، ومن قبل المواطنين الذين يقدرون الادباء والصحفيين دون النظر الى هويتهم القومية وانما الى اعمالهم الثقافية . وهكذا تجد تمثالا للجواهري في اربيل واخر في السليمانية بينما لم يحصل على مثل هذا التكريم في مدينته النجف ولا في بغداد .
هذه مقارنة بسيطة رغم ان موارد اقليم كردستان ليست بحجم موارد الدولة المركزية والتي بلغت مئات المليارات من الدولارات التي لا يعلم احد اين تذهب ومن الذي يبتلعها مثل الحوت الذي بلع النبي يونس ، الفرق ان النبي يونس استطاع الخروج من بطن الحوت لكن المليارات لم تستطع الخروج من بطون الحرامية .
فاتحاد الادباء العراقي يعاني من عدم منحه المكانة التي يستحقها في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية من قبل السلطات الحاكمة ، لسبب بسيط هو كونه لا يمتثل لارادتهم التي تريد اعادة عجلة الزمن الى الوراء وغلق افق البلاد على ممارسات متخلفة بحجة انها شعائر دينية او مذهبية او اجتماعية ، فالمبالغة بالشعائر الدينية ادت الى بروز متناقضات في الحياة الاجتماعية العراقية اسهمت في استقطاب المكونات نحو مذهبها وطقوسها فغرق العراق بالطقوس التي باتت تهدد كيانه ، وهي بالتأكيد ستقضم الاخضر مع اليابس ما لم تحصل صحوة تبعد البلاد والمجتمع بجميع اطيافه عن خزعبلات الدجالين وعبث المحتالين ، واول من يتحمل هذه المسؤولية والنهوض بمحاربتها هي المؤسسات والهيئات والمرجعيات الدينية.
فاتحاد الادباء الذي لا يؤمن بالطقوس الظلامية والهرطقة والخزعبلات ،وينشد حياة حديثة تستلهم العلم والمعرفة ، لا الماضي والجهل والامية والظلامية ، سيبقى محط انظار الجهات المسؤولة المتخلفة وسـتـتحين الفرص للانقضاض عليه لتهشيم مفاصله وكسر شوكته والغاء دوره في التنوير وذلك دونه خرط القتاد.