المنبرالحر

هل يحتاج العالم العربي مجدداً إلى سفينة نوح / د. ناهدة محمد علي

ألتقيت بصديقة قديمة كانت تعمل لسنوات طويلة كطبيبة في العراق و تميزت هذه المرأة بحسها الإنساني وطالما كنت أستشيرها حينما أُصاب بوعكة صحية. إبتعدت هذه المرأة عن السياسة لكنها لم تبتعد عن المآسي البشرية، قالت لي : أترين ما يحدث في الدول العربية ، قلت : وما الجديد في الأمر ؟، قالت : إني أتساءل أهو غضب من السماء أم هو نحن الغاضبون ، نحن نأكل لحوم بعضنا بإسم الدين ، نحن ندخل إلى الجوامع في العراق وسوريا وليبيا وتونس والكويت واليمن ونقوم بتفجير المصلين، ونقتل طلاب المدارس وعمال البسطات والعلماء والأدباء والصحفيين ، العالم كله يبني ونحن نهدم ، ألا يتعلم العرب أبداً ، ألم يعلموا أن لا بقاء مع الخراب والتخريب ، فكل أمة تنوي البقاء قد تعلمت البناء ، لا تقاتل بعضها البعض بل تتجمع وتتساند أمامنا الأمة الروسية والصينية والهندية والألمانية . ثم توقَفَت وسَرحت بعينيها إلى البعيد ثم قالت : أتدرين ما الذي نحتاجه نحن قلت ماذا ؟ قالت : نحتاج إلى سفينة نوح ثانية ، فضحكت طويلاً وقلت : أتتمنين الطوفان ليغرق كل شيء ، ولكن من تتمنين أن تحمل هذه السفينة، ربما برأيك المسنين والمرضى والأطفال والنساء ، قالت : لا لا لا يبقى فيها سوى الأصلح ، سوى من لم يلوث يده بالدماء أو الكسب غير المشروع ، ولم يخطر برأسه ولا للحظة أن يستفيد من عذابات أو حرمان الآخرين ، ومن يحمل الكتاب في يد وفي يده الأخرى المحبة لكل البشر وإن أختلفوا عنه في الدين واللون والقومية ، فمشاعرنا نحن البشر واحدة وآلامنا واحدة أيضاً ، قلت : أنت تطلبين الكثير وتبحثين عن الفردوس المفقود وأين هي هذه المدينة الفاضلة التي تبحثين عنها ، قالت : هي جزيرة بعيدة لكن السفينة ستمر بها ، وركاب هذه السفينة يحملون ضمائراً نقية مثل كثير من البشر الطيبين ، ضحكت وقلت : سننتظر الطوفان . قالت : إذا كان الطوفان هو الحل ، فليأتي وليأخذ السحر الأسود من رؤوسنا . تمتمت بصوت منخفض وقلت : سننتظر طويلاً حتى يأتي المخلص وسننتظر أكثر حتى تُبنى سفينة نوح الجديدة وهذا يعتمد على ضمير من يستورد الخشب فقد يكون مُستهلَكاً ومن يبنيها فقد تكون شركة وهمية ، وقد يثقبها إرهابي متسلل ليصلوا قبلنا إلى الجنة ؟؟.