المنبرالحر

الإستبداد والإرهاب ليس بجديد على العراقيين / د. ماجد احمد الزاملي

النظام الاستبدادي هو النظام الذي ينفرد بالحكم او يحتكر السلطة ، بمعنى اخر الاستبداد هو الشكل الاساسي لكل سلطة تفرض نظام يجعل حاجز بينها وبين الجماهير ،ليس احتكارا للسلطة فقط بل تملّك شامل وجذري للمجتمع ،واختراق لجميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .واحتكار السلطة كعنصر واحد ضمن اطار اوسع هو احتكار جميع منابع الفاعلية والانتظام الاجتماعي ،الطابع لاي نظام استبدادي هو غلق كل نوافذ الاختلاف وابادة المخالف والمعارض مما يجعل فرص التغيير مستحيلة . والاستبداد هو سلطة تعسفية وجامحة لشخص واحد او عدة اشخاص وهذه السلطة الشخصية تتحول الى الة وتحكّم في المجتمع تحكّما تاما وتسيّره بقوة وتضفي سمة الاطلاق على الحاكم الذي هو بدوره يستخدمها كمصدر للمشروعية لضمان استمراره في السلطة و استبداده. وكما ان الارهاب هو نشر الرعب والخوف بين صفوف الافراد ،كذلك فان النظام الاستبدادي الذي يعتمد الحزب الواحد في السلطة السياسية يخلق حالة من الرعب والخوف بين صفوف المجتمع بهدف خلق شرعية لنظام الحزب الواحد، تعتمد على تغيير قناعات أفراد المجمتع. يعمل نظام الحزب الواحد على جعل ايديولوجيته هي السائدة في الدولة ومؤسساتها واجهزتها المدنية والعسكرية والمنظمات والنقابات وبين أفراد المجتمع، حيث يسعى الحاكم الى صبغ الفكر المجتمعي والفرد بلون فكري واحد ّسائد، وهذا ما كان سائدا في ظل سلطة البعث، الذي فرض أيديولوجيته على المجتمع بعد تحريمه ومنعه أي نشاط فكري وسياسي يتعارض مع أيديولوجيته ، وهذه الايديولوجية من اهم مرتكزاتها الفكر القومي المتطرف وانكار الاخر . قامت سلطة حزب البعث باستخدام العنف وكل السبل القهرية لتامين مستلزمات القضاء على اصوات المعارضة سواء كانت داخل صفوف الحزب نفسه او خارجه، حيث سجلت منظمات عديدة ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة اسماء عشرات الالاف الذين تعرضوا لارهاب الدولة . " تنفرد السياسة العراقية منذ وقت بعيد باعتبار العمل السياسي المخالف لرغبة السلطة فعلا جنائيا مجرّما ". ولتوسيع الأرهاب في المجتمع، ألغى صدام حسين، شخصية الجريمة واعاد الوضع في العراق الى العصور القديمة عندما أصبحت العقوبة لا تقتصر على المعارضين للحزب الحاكم بل تمتد لتشمل الأقارب حتى الدرجة الرابعة. النتائج التي أفرزتها تجربة نظام حزب البعث هي أرتكابها ممارسات منافية لحقوق الإنسان، السياسية والاجتماعية ولكل القيم الانسانية، اضافة إلى اشاعة التخلف والحروب والحصار والازمات الاقتصادية والاجتماعية والتسلح والعسكرة، ماهي إلا نتائج طبيعية للأنظمة الاستبدادية الشمولية القائمة على منطق القوة والقتل، وقد تعمقت هذه النتائج في العراق بعد الحصار الدولي الذي كان نتيجة لغزو الكويت. يعتمد نظام الحزب الواحد في تطبيق سياسته في المجتمع على العديد من المؤسسات السياسية والاجتماعية والمهنية. ففي المجال السياسي، يوظف حزب السلطة، للسيطرة على كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها البيروقراطية والامنية والعسكرية والإدارية، وفي المجال الاجتماعي، تسخّر النقابات للدعاية لنهج الحزب وتنفيذ قراراته، وفي المجال المهني، يتم تأطير منظمات الشباب والطلبة والنساء، لتخدم سياسة الحزب بين المواطنين. و كل هذه المؤسسات كانت تدار من قبل جهاز مركزي، تشرف عليه قيادة الحزب، بحيث تتحول الاجهزة الاخرى في الدولة والمجتمع الى اجهزة ثانوية تعمل تحت سيطرته، وهذا الجهاز الرئيسي يختلف حسب نظام الحزب " ويعتبر اساس لنظام دكتاتوري " . القيادة السياسية التي تمارس السلطة، هي التي تحدد اطار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لقد سارت سلطة نظام حزب البعث في العراق على هذا النهج، حيث أدى تطورها الى تمركز السلطات بيد شخص واحد" صدام حسين" يمارس جميع السلطات وهو من يعين رؤساء تلك السلطات وهو يشرف على جميع مفاصل الدولة من اختيار وتعيين الوزراء واقالتهم من مناصبهم دون تدخل اي سلطة من سلطات الدولة سواء التشريعية او القضائية ، كذلك هو من يقرر ويصدر القرارات والقوانين وبموافقته، لذلك أصبحت سلطته مطلقة بعد أن هيمن على كل السلطات، فأصبحت كل مفاصل الدولة وسلطاتها بيده، بما فيها السلطة القضائية التي أصبحت في عهد صدام حسين لا تتمتع باي قدر من الاستقلالية وكانت خاضعة حضوعا مطلقا له باعتباره رئيس مجلس قيادة الثورة، لذلك أصبح القضاء عاجز عن تأمين اي رقابة على اجهزة الدولة، اما السلطة التشريعية، المتمثلة بالمجلس الوطني فانها اداة خاضعة لرئيس مجلس قيادة الثورة وصورة مشوهة بالمقارنة مع المجالس التشريعية للبلدان الاخرى، كون الترشيح للانتخابات يخضع لرقابة لجنة من مجلس قيادة الثورة، التي اشترطت ان يكون المرشح عضوا في حزب البعث أو مواليا للحزب والثورة حتى يصادق على ترشيحه. وبما ان سياسيات البعث هي الأساس في تخريب العراق من جميع النواحي، والتي ما زالت آثارها مستمرة، كان ينبغي ان يتم التركيز على إزالة هذه السياسات وليس محاربة كل من انتمى لحزب البعث في ظل النظام السابق، لأسباب معروفة لا تتعلق بالإيمان بسياسة البعث ونهج قيادته الدكتاتورية، لذلك ينبغي أن تأخذ العدالة والقانون طريقها في محاسبة قادة البعث وكل من أرتكب جريمة بحق الوطن والمواطنين من البعثيين وغيرهم، بهدف انصاف كل المتضررين من سياسات النظام السابق.
اليات الضبط الاجتماعي والسياسي تنمو وتتطور تبعا لتطور الدولة وسلطتها السياسية وطبيعة تناقضات تشكيلتها الاجتماعية لان السلطة التي تمسك بزمام الامور تعتمد على الحكم المطلق ليس في القرار السياسي فقط، بل في مختلف الفاعلين في الساحة السياسية من نقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي تدار من قبل مجموعة من اجهزة النظام وهو تحكّم ضمان الحكم والمحافظة على السلطة ونظامها،و" الحاكم المطلق يفتقد الى ابسط المقومات سواء الصحية والنفسية على الرغم مما يبديه من مقدرة ومظاهر شكلية فارغة في ادارة الحكم وتسيير شؤون المجتمع بطريقة تعسفية، وهذا التحكم في الحياة السياسية والفاعلين من مختلف المؤسسات تجعل تنافس مستمر من اجل الولاء والطاعة المطلقة للحاكم الضامنة للحصول على امتيازات عبر الترغيب وتقديم الهدايا والمناصب وهي وسيلة تجلّت في العراق في زمن صدام حسين من اعطاء الامتيازات والمناصب والاراضي الى اعيان القبائل الموالية والساندة والمؤسسة العسكرية والامنية الداعمة لسلطة الحاكم المطلق.
من ابرز سمات الممارسة الديمقراطية هو مبدأ تداول السلطة بين القوى السياسية المتنافسة على الصعيد السياسي لانها ترسخ مباديء الديمقراطية وقواعدها ومؤسساتها والياتها في المجتمعات المتطورة، لأنها تعبّر عن استقلال النظام السياسي وحياده ازاء "مطالب القوى السياسية بالمشاركة من ناحية، ومن ناحية اخرى يتطلب التداول السلمي للسلطة الاحتكام الى رأي الاغلبية واحترام راي الاقلية، او ترجيح حكم الاغلبية والاخذ برأيها، وتاتي هذه الاغلبية بناء على عملية الاقتراع العام السري او الدوري المنظم . لا يمكن قيام نظام ديمقراطي بدون احزاب سياسية، لأن الحزب السياسي يعتبر قناة الراي في المجتمع، فالوحدات السياسية المكونة للمجتمع الحديث هي الاحزاب السياسية، ولا يوجد مجتمع ديمقراطي بدون احزاب متعددة تمثل قطاعات مختلفة ومصالح مختلفة، والاحزاب تعتبر من المؤسسات الديمقراطية المعاصرة لكونها تحدد بنية التنافس الانتخابي ومن خلالها يصوت المواطنون لقوائم الاحزاب حسب برنامجها، وليس للاشخاص. ان عملية التحول الديمقراطي في دول العالم الثالث بشكل عام والعراق بشكل خاص، تواجه معوقات جدية، بسبب أن هذه الدول لم تشهد في تاريخها السياسي الحديث، الا فترات محدودة من الممارسة الديمقراطية الحقيقة أو بالاحرى دول العالم الثالث كانت تحت الاستعمار الغربي وعندما تحررت ترك الاستعمار انظمة موالية له تحكمها أي بتعبير أصح لم تعش شعوبها الاستقلال، وكان للاستبداد السياسي والاجتماعي والثقافي والأسري آثار تخريبية لوعي المواطن ونظرته للديمقراطية وتجلياتها المختلفة من الحقوق والواجبات والممارسة والآليات، لذلك يحتاج التحول الديمقراطي إلى مرحلة انتقالية، توضع فيها أسس بناء نظام سياسي جديد وصياغة الأسس القانونية والسياسية والثقافية للانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. فعلى الرغم من التحول الديمقراطي في العراق الجاري في الوقت الراهن، والحريات السياسية والفكرية وحرية وسائل الإعلام، الا ان العراق لا يزال يعيش ازمة شاملة، من إبرز مظاهرها، الفوضى الشاملة وانتشار العنف بكافة أشكاله، وتوقف الدورة الاقتصادية وضعف نظام الخدمات وانتشار الفساد المالي والإداري، والصراعات الحادة بين مكونات المجتمع العراقي، القومية والطائفية والمذهبية، وانعدام الثقة بين سلطات الدولة الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، اضافة إلى انعدام الثقة بين الاطراف السياسية.
لقد فشلت النخب السياسية العراقية المتنفذة في بناء نظام سياسي ديمقراطي يستند الى حكم الدستور والقانون، بدلا من حكم النخب والزعامات الفردية. كما أن تأثيرات الإستبداد على الديمقراطية، تكمن في ضعف الثقافة الديمقراطية في الأوساط الشعبية، اضافة إلى عدم توفر المستلزمات الاجتماعية للديمقراطية، التي تتيح للمواطنين ممارسة حقوقهم السياسية، بسبب الدمار الذي لحق بالاقتصاد العراقي نتيجة حروب الدكتاتورية، الداخلية والخارجية، والحصار الاقتصادي الدولي، وآثار الغزو الأمريكي. وغالبا ما يحرم افراد الاقليات من حقوق المواطنة، في الدول غير الديمقراطية ومنها الدول العربية التي تعاني أغلبها من أنظمة حكم إستبدادية، تحرم الأقليات من حقوقها التي كفلتها المواثيق الدولية، تحت ذرائع مختلفة، تارة باسم القومية وأخرى باسم الدين. وفيما يخص العراق كغيره من دول الشرق الاوسط، فإن المجتمع عبارة عن مزيج من مختلف الاعراق والطوائف، حيث يعيش فيه العرب والكرد والتركمان والكلدواشوريين والشبك والصابئة والايزيدية وغيرهم من المجموعات الدينية.
ان بعض مشاكل الاقليات تعود الى اخفاق الدول الحديثة في تحقيق القيم والاهداف التي ظهرت من اجلها، وهي حالة الدولة في العالم العربي عامة، وبالعراق خاصة، حيث فشلت هذه الدول في تحقيق تنمية اجتماعية تلبي مصالح شعوبها، وقد أدى ذلك إلى لجوء الأفراد إلى الهويات الفرعية لتحقيق مصالحها الذاتية، بعد ان تخلت الدولة الوطنية عن مسؤولياتها في توفير الحماية الاجتماعية والذاتية لمواطنيها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أدى التمييز القومي والطائفي الذي تمارسه السلطات الاستبدادية إلى لجوء الاقليات المضطهدة إلى البحث عن المساعدة الخارجية، وقد تستغل هذه الحالة من قبل القوى الخارجية في تصعيد الصراعات بين الاقليات والسلطات الحاكمة، الأمر الذي يؤدي إلى اغراق البلدان ذات التعدد القومي والمذهبي، بصراعات داخلية حادة تؤدي إلى انهيارها كدول ذات سيادة، كما يحصل الآن في العراق وعدد من البلدان العربية التي حصلت فيها الاحتجاجات الشعبية.