المنبرالحر

المجد لك عبد الكريم قاسم ... ايقظت الشرق الاوسط / د. مؤيد عبد الستار

كانت اغلب دول الشرق الاوسط ومن بينها العراق تغفو في محيط من الجهل والكسل تحيط بها الامراض والامية والتخلف حتى صرخ الشاعر الجواهري في وجه المجتمع العراقي في محاولة يائسة لايقاظه :
نامي جياع الشعب نامي / حرستك الهة الطعام
نامي فان لم تشبعي / من يقظة فمن المنام
نامي على نغم البعوض / كانه سجع الحمام
اما دول الشرق الاوسط الاخرى مثل الاردن واليمن والباكستان وافغانستان وتركيا وايران فقد كانت لا تقل تخلفا عن العراق ، وكانت مضرب الامثال في الجهل والامية والفقر .
تفجرت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 فنقلت العراق من بلد متخلف يتحكم به الاقطاع ورجال الدين الدجالين من وعاظ السلاطين كما اسماهم العلامة علي الوردي ، الى بلد يمور بالتقدم ويسابق الزمن في الاعمار والتعليم والتطور ، فقد فتحت الاف المدارس ابوابها للاطفال الفقراء ، وبدأت صفوف محو الامية تستقبل الرجال والنساء في اكبر حملة لمحو الامية بشكل عفوي لا يجارى ، واذكر كان والدي تربويا في مدينة الكوت / محافظة واسط ، سرعان ما تسلم ادارة مدرسة النجاح ، ليصبح مديرا لها عام 1958 ، فعمل على تطوير برنامج التغذية المدرسية ، وكان يقول دائما امامنا ونحن نجهل معنى قوله / اذا كان الطفل جائعا لا يستطيع التعلم ولا يستوعب الدرس ، لذلك حرص على ان يكون موعد تقديم الغذاء في ساعات الصباح المبكرة ، غالبا بعد الدرس الاول ، لكي يستطيع الطالب الفقير ، وكان اغلب الطلاب من الفقراء ، ان يتناول فطور الصباح وبعدها تبدأ دروس الرياضة والرياضيات والدروس الصعبة خاصة كي يستطيع استيعابها وهو شبعان .
احدثت ثورة الرابع عشر من تموز تغييرا كبيرا في نمط الحياة وفي تفكير الناس البسطاء ، فاستطاعوا التعبير عن امالهم والعمل على الخلاص من الاقطاع والظلم الذي كان يفرضه الاقطاعي او صاحب العمل ، فنشأت حالة جديدة بين المواطنين البسطاء ، وهي رفض الظلم وتنامى الشعور بالعزة والكرامة ، وبان ذلك بشكل واضح على المرأة التي بدأت يومذاك بالتخلص من العباءة ، المكبلة لحرية المراة جسديا وفكريا ، وظهر التمرد على القيم البالية من خلال التطلع الى حرية اختيار الزوج ، واذكر احدى بنات محلتنا رفضت الزواج من ابن عمها ، فضج الحي بالنقاش حول كيفية رفض ابن العم ، واصبحت تلك قصة طويلة كشفت عورة التقاليد البالية في الحياة الاجتماعية .
صباح الرابع عشر من تموز ، هبت الجماهير بشكل عفوي لتسير في الشوارع هاتفة بحياة قادة الثورة ، وفيما بعد ظهر القائد الملهم عبد الكريم قاسم قائدا وربانا لثورة عارمة عزمت على بناء عراق جديد ، وبالفعل شمر الزعيم عبد الكريم قاسم عن ذراعيه طاويا الليل بالنهار من اجل انجاز مئات المشاريع الحيوية ، وكان اول مشروع لمسنا عمق تاثيره هو افران الخبز ، خبز يباع للفقراء والمواطنين بسعر زهيد ، كان الناس يصطفون على افران الخبز تلك منذ ساعات الصباح الباكر ليحصلوا على ارغفة الخبز، فشبع الفقراء خبزا ، وكان الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم يتابع انتاج تلك الافران ويحاسب اصحابها وينهاهم عن التلاعب بقوت الفقراء ، واشتهر بمقولته لصاحب احد الافران الذي وضع صورة كبيرة له في المخبز بقوله :
كبر الشنكة وصغر الصورة اي اجعل رغيف الخبز كبيرا وصورتي صغيرة بدلا من تلاعبك بالخبز .
هذا هو الزعيم الذي لم يجدوا ما يحاربوه به سوى وطنيته واخلاصه لشعبه ووطنه ومبادئه ، وبالرغم من ان الاف الناس المتجمهرين امام وزارة الدفاع كانوا على استعداد للموت من اجله والدفاع عنه الا انه خطب بهم قائلا اذهبوا الى بيوتكم انا ساقضي عليهم ، ومن المفارقات انه ولحسن طويته كان يتصور انهم افراد ، ولم يحسب حسابا للدول التي تمدهم بالمال والسلاح والخونة والعملاء .
كل عام في مثل هذا اليوم سنحتفل بانتصارك على الظلم ، حتى يقف العالم على قدميه يوما ما في المستقبل ويحتفل معنا بنور طلعتك وبهاء انتصارك على الظلم والجهل والمرض .
عاشت ثورة الرابع عشر من تموز ولتبقى مشعلا ينير درب المناضلين من اجل وطن حر وشعب سعيد.