المنبرالحر

في غياب الأيديولوجيا والهدف الموحد / لينا النهر

كثر هذه الأيام نشر صور بغداد الثمانينات وصور بغداد حاليا عبر وسائل الاعلام. صور بغداد الثمانينات الجميلة، بشوارعها النظيفة وابتسامة الاطفال في الشوارع والمتنزهات والفرح الدائم.
أراجع الصور مرة واُخرى باحثة عن شعور الفرح الذي يعيش في ذكرى الكثيرين. ومن خلال التمعن في الصور اجد صور الطاغيه المقبور صدام هنا وهناك، في ركن وشارع ومدرسة. وارى الأطفال الفرحين في زي الطلائع.
اصاب بحزن يتبعه غضب كبير. هذه الصور تستفزني لعدة أسباب.
فما كانت هذه الشوارع النظيفة متاحة للجميع. ولا اذكر ابتسامة من حولي، الا نادرا. فالذكرى اليومية لي من تلك الفترة هي الحزن. حزن فراق المناضل البعيد عنا، وحزن شهيد حروب الطاغية مع بلاد الجوار، وحزن النساء والأطفال من بعد البعيد والمفقود والشهيد والسجين وفقر هذه العوائل وحرمانهم من أغلبية الأشياء.
اذكر الخوف. خوف كسر الكرامة في سجن ما. خوف ذهاب احدنا بدون رجعة. خوف سماع إعدام احد اخر. اذكر كره محبتي لزي الطلائع، كيف عليّ ان احبه في الشارع وفي المدرسة وكيف لهذا الزِّي كره عميق في داخلي يزرع في البيت الذي يذكر كل يوم عن حقيقية عوائلنا وتاريخنا والنضال السري.
اذكر السجون وكل تفاصيلها ومن عمر السادسة. اتذكر،،، لا،، لا اتذكر بل مازلت أعيش حين التفكير بها الم زيارات السجن و وقت انتظار احد في السجن وعدم معرفة عودته ام لا.
هل تعرف الناس ان الشوارع النظيفة كانت سجن الآخرين؟ هل تعرف الناس معاناة الحياة المزدوجة؟ هل تعرف الناس في حين زيارتهم المتنزهات ايام الخميس كان اخرون يزورون المقابر وينعون الميت والحي منا؟
هذه احدى الأشياء الاخرى التي تستفزني. ها هم عرفوا، فلما مازالوا مصرين على مدح ايام مريرة؟ ولماذا لا يرى غيرنا صورة الطاغيه ومرور الذكرى وخطرها على حاضر ومستقبل؟
ما هو دورنا؟ افهم المعاناة التي يمر بها الناس اليوم. اعرف كذلك ان الانسان يتناسى وان الكثيرين من الناس لم يصبهم ما اصابنا و لا أودّ استخدام طريقة المقارنة من معيشة سيئة لأسوء. ولكنني أطالب بالتذكير!
بات الجميع ينعى ما في البلد اليوم وغاب عن الساحة السبب الرئيسي لما وراء هذا. وأصبح شباب اليوم من الذي يعرف بغداد الثمانينات عن طريق الصور والإعلام البعثي المستمر والذي يقوى يوما بعد يوم وخصوصا في وسائل الاتصال الجماهيرية يحب عهد طاغية مجرم.
ومع هذا النسيان يبدأ بالنهوض حزب بعث جديد. وتاريخ دكتاتوري جديد.
ما نحتاجه اليوم هي التوعية بكل أنواعها. فما يقدم للشباب اليوم هو النقد للدولة والعائلة والمجتمع والتاريخ والدين وكل شي حولهم. ولكن ما يغيب في نفس الوقت هو التوعية وطرق الاختيار الاخرى ووضع الذات تحت المجهر والبديل للنقد.
من المفترض ان يكون للحزب الشيوعي العراقي دور مهم في تدريس الأيديولوجيا بطريقة عملية وتناسب الوضع الحالي للشباب ورسم مستقبل يتحمسون له. يوحدون لهدف معين، هدف موحد، هدف مستمر الى ما بعد التخلص من الوضع الحالي من ارهاب وتذمر. هذا هو الحل الوحيد لتجنب مستقبل قريب متكرر الانهيار سببه عدم وجود البديل. والعمل على توجيه طاقة داخليه تسعى الى تحقيق هدف اسمى وبناء كادر حقيقي له أساس قوي للاستمرار والحد من رجوع البعث المجرم او من بناء او تطوير احزاب رجعية، عنصريه وطائفية اخرى.
ومن خلال معرفتي بالكثيرين من رفاق الحزب أعضاء كانوا اليوم اما لا، اعرف ان هناك إمكانية للعمل الجاد على هذا. ونحن في انتظار.