المنبرالحر

أي وزير للكهرباء نريد؟ / مرتضى عبد الحميد

قبل سنة ونصف السنة استقالت وزيرة الكهرباء والطاقة في نيوزيلندة، بسبب انقطاع الكهرباء عن قرية نائية (قرية واحدة) نتيجة إعصار حلً بالبلد، وأرفقت استقالتها بإعتذار إلى كل الشعب النيوزيلندي.
لو يسمع وزير كهربائنا بهذا الخبر، سيقع على قفاه من الضحك، وسيتهم الوزيرة، بالانبطاحية، كما سيتهمنا بالتأكيد نحن الذين نتداول هذا الخبر بالسذاجة وقلة العقل، لأنه يعرف جيداً، انه مصون وغير مسؤول، ومهما فعل، وأفرط في أذى العراقيين، فلن يحاسب أو يعاقب، وإنما في أسوا الأحوال بالنسبة له، أن يحال الى التقاعد، ويأخذ المقسوم من الراتب التقاعدي الذي لايقل عن عشرات الملايين من الدنانير.
ما قصة الكهرباء لدينا ولم هذا الاقتتال على حقيبتها؟ ولماذا لم يستطع كل وزرائها السابقين، وربما اللاحقين حل معضلتها وإنقاذ العراقيين من الجحيم الذي يعيشونه كل صيف، رغم الاربعين مليار دولار تقريبا التي صرفت عليها، وأين ذهبت هذه الأموال الطائلة؟
ويبدو أن المصيبة لا تكمن في فساد الذمم، وخراب الضمائر، وسرقة أموال الكهرباء وغير الكهرباء وحسب، وإنما تكمن أيضا في الكذب الرخيص، والاستخفاف بعقول العراقيين، لتبرير الانهيار في منظومة الكهرباء، والذي يتناسب طردياً مع ارتفاع درجات الحرارة، وكأن الهدف هو الانتقام من الشعب العراقي، ومعاقبته على ذنب يجهله، حتى أن احدهم ادعى بأن العراق سيصدر الكهرباء إلى دول الجوار في نهاية 2013!
وعندما ينضب بئر الكذب لديهم، يلجأون إلى تبريرات، اقل ما يقال فيها، أنها سخيفة ولا تقنع طفلاُ، من قبيل سوء الأنواء الجوية، وكأنهم لايعرفون أن جهنم تفتح أبوابها على العراق في فصل الصيف، أو بسبب الغبار، أو نتيجة الإرهاب وجرائم «داعش»، أو شحة الوقود، أو إخراج مسرحية فاشلة، لايتعدى مضمونها تبادل الاتهامات بين وزارتي النفط والكهرباء....الخ.
وآخر صرعة في عالم الضحك على الذقون، أن السبب في هذه المأساة، هو ان العراقيين يستخدمون السخانات في عز الصيف، مستعيراً قائله تلك القصة المعروفة، عندما سؤل ابن الشيخ، من أين يصنع الدبس؟ أجاب الذكي ودون تردد، من مزاليج البصل! فما كان من أبيه الشيخ، إلا أن يقسم بأغلظ الإيمان، أنه لم يلقنه هذا الجواب، وإنما هو الذي عرفها نتيجة ذكائه المفرط.
يعلم الكثيرون أن انهيار الكهرباء، هو جزء من الفساد المتغلغل في كل مسامات الدولة والمجتمع. كما انه جزء من التخبط في السياسة الاقتصادية، وانعدام الرؤية الستراتيجية لإعادة بناء الوطن، وهو كذلك ضمن مخطط تصفية القطاع العام، والسعي الحثيث لرفع راية الخصخصة حتى في مؤسسات الاستهلاك اليومي للمواطن العراقي، وهو ماينبغي أن يكون خطاً احمر، لايمكن تجاوزه بأية حال من الأحوال.
ولهذا لابد من التصدي بحزم لهذه المساعي والسياسات البائسة، نخباً سياسية وثقافية، وجماهير شعبية، والضغط بقوة على أولي الأمر لتغيير السياسيات العقيمة المتبعة، والتخفيف من حدة التوترات الاجتماعية، التي ستكنس في طريقها كل شيء، أن لم تعالج أسبابها، ومن بينها، بل في مقدمتها قضية الكهرباء.
ليكن وزير الكهرباء هذه المرة بعيداً عن المحاصصة، مهنياً، نزيهاً، وذا كفاءة مشهودة، يحب العراقيين، ويعي أن الوزير وكل موظفي الدولة، وجدوا لخدمة المواطن وتلبية احتياجاته.
ونتيجة لمعاناتنا الرهيبة طيلة هذه الفترة، يمكن إضافة شرط آخر للوزير المقترح، هو أن يربط على عمود للكهرباء، وفي هذه الأيام تحديداً، لمدة ساعة أو نصف ساعة، وبعد الثانية عشرة ظهراً في احد الأحياء الشعبية، قبل أن يستلم وزارته، ليحس بحجم المعاناة، وهول المأساة، ويعمل بجد وإخلاص لإنقاذ العراقيين من هذه الكارثة.