المنبرالحر

غضب الله عليكم / ابراهيم الخياط

المونولوج مصطلح يوناني- لاتيني وحسب الموسوعات فهو مركب من كلمتين (مونو) وتعني (واحد- فرد) و(لوج) وتعني (كلام- مقال) وتركيبها يعني الكلام الفردي أو المقال الفردي ويجوز أن يكون نثرا أو شعرا ويصلح أن يلقى أو يلحّن. وهو لون ما كان معروفا أو مألوفا في الغناء العراقي قبل عزيز علي، المطرب الذي ولد عام 1911 في كرخ بغداد، والذي كان في مرحلته الفنية الأولى أي أواخر الثلاثينات فنانا ناقدا، ثم ناقدا سياسيا بعد هذه المرحلة. كان كل أربعاء يقدم وصلة غنائية. وفي احدى الأربعاءات عام 1956 دخل الاســتوديو لإنشاد منولوج (صلِّ?عالنبي). وأثناء الانشاد فوجئ بوجود نوري السعيد وراء زجاج غرفة مراقبة الاستوديو، ينظر إليه مع بعض موظفي الإذاعة. وقد خيل له انه سيكرمه، فإنسجم مع غنائه، وبعد حين جاءه مهندس الصوت ليقول له: الباشا يريدك.. فذهب اليه، بادره الباشا بالقول: انته شدعوه هلكد متشائم.. وتخلي الناس تبجي من هاي الحجايات، كافي تشاؤم.. ييزي.. صار اربعميت سنة واحنه نبجي.. ثم أردف قائلاً: انته شنو شغلك؟ فقال اني موظف بالكمارك فصُعق الباشا: واي واي.. جمالة موظف بالحكومة..
في اليوم التالي ذهب عزيز إلى دائرته حيث كان يعمل مخمناً، فرنّ جرس الهاتف وحدثه مدير الدعاية العام وأخبره أن الباشا يريده ويبدو أن الظن كان بأنه شيوعي.
فذهب إلى مجلس الوزراء في القشلة، واستقبله الباشا قائلا: انته يا أخي، الله ناطيك هالموهبة وتسفط الكلام مثل ماتريد، فليش دا تفزز الناس واتبجيهم؟ تكدر اتكول هذا البلد بخير، وبيه رجال مخلصين، يكدرون يقضون على هالعيوب والآفات.. ليش تلزم الجوانب السلبية وما تذكر الايجابية؟
سكت الباشا، ولما تأكد أنه ليس شيوعيا صار معجبا به كثيرا. وبعد ثورة تموز 1958 روى د.مصطفى جواد قائلا: «كنت عند نوري السعيد في أحد الأيام، ومصادفة أدار مؤشر الإذاعة فسمع مونولوج (أنعل أبو الفن) وتابعه بكامله. لكنه عندما انتهى، قال: شوف شوف هذا ابن الـ.. دايشتمني».
قدم عزيز علي مجموعة من أروع المنولوجات التي ما زالت كلمات معظمها تنطبق على أوضاع العراق إلى الآن: منّه منّه كلها منّه، يا ناس مصيبة مصيبتنا، كل حال يزول، يا جماعة والنبي احنه عدنه بستان.. حتى أن نوري السعيد توقف مرة عند كلمة في منولوج «حبسونه» يقول فيها عزيز علي (مجلسكم مجلس أشرار)، فوبخه: بالله هذا اشلون حجي.. فأجابه عزيز متملصا بأنه يقصد مجلس الأمن وليس البرلمان. فضحك نوري باشا وقال: ليش آني غشيم، هذا الحجي ما يعبر عليه..
«تردوها كبار كبار
تردوها زغار زغار
مجلسكم مجلس أشرار
دا تراوونه الموت اشلونه
حتى نرضه بالصخونه
الظاهر ما عرفتونه
ما نهاب احنه التهديد
ولا الضغط والتشديد
مجلسكم منكم بيكم
يا من غضب الله عليكم».