المنبرالحر

دستورية حزمة الإصلاحات .. والشرعية الثورية / زهير ضياء الدين

بدأت بعض الأصوات النشاز تتصاعد طاعنة بدستورية الإصلاحات التي اقرها مجلس الوزراء في جلسته (307) المنعقدة يوم 9/آب الجاري. والهدف الذي يتوخاه هؤلاء بكل وضوح هو إجهاض وتعطيل حركة الإصلاح التي بدأت تتبلور وتتصاعد لتنضج بدعم من جماهير المتظاهرين، بعد أ ن ساد الفساد وتفككت أجهزة الدولة وضاعت في العديد من محافظات العراق، وأصيب بالتخمة تجار الفساد من سياسيين ومن يختبىء وراءهم . لذا ولغرض كشف هذه الدعوات المشبوهة سنتناول هنا موضوع دستورية الإصلاحات المذكورة.
- قبل البدء بمناقشة هذه الإصلاحات بحسب المحاور التي وردت في قرار مجلس الوزراء والتي صادق عليها مجلس النواب، نود أن نشير الى أن هناك ما تسمى (الشرعية الثورية). ومصدر هذه الشرعية هو الشعب صاحب الوطن وصاحب الأرض وصاحب السلطة الحقيقية في الحكم ومصدرها. و تتمثل الشرعية الثورية في موضوعنا هذا بالتظاهرات الحاشدة التي إمتدت على مساحة العراق بدءاً بالعاصمة بغداد ومروراً بجميع مراكز المحافظات والعديد من الأقضية والنواحي وبعض القرى، حيث خرجت الجماهير رجالاً ونساءً، شباباً وشيباً و حتى الأطفال، للصراخ بوجه الظلم والتهميش والفساد الذي القى بكاهله على المواطن العراقي بذرائع بائسة تتراوح بين الطائفية والإثنية والمحاصصة التي إستخدمت أسوأ وأبشع إستخدام لمحاربة الشعب وسلب حقوقه. وكانت صرخة المتظاهرين عالية افقدت تجار السلطة توازنهم بحيث باتوا يرددون مطالب المواطنين من دون وعي خلافاً لقناعاتهم وسلوكهم .
- إن الشرعية الثورية التي نتحدث عنها والتي تملكها جهة واحدة هي الشعب والتي تجسدت بالتظاهرات الحاشدة، تمثل تخويلاً صريحاً أقوى من كل دستور وكل القوانين التي كتبها وشرّعها السياسيون الذين إمتلكوا مقدرات هذا الشعب. لذا فإن جميع الإصلاحات التي وردت في قرار مجلس الوزراء وصادق عليها مجلس النواب بالإجماع تمتلك الشرعية الكاملة التي تعلو بكثير على الشرعية التي كانت تسير وفقاً لآليات وضعها أصحاب المصلحة من السياسيين اللصوص والتجار المتسلطين .
وبالرغم من ذلك سنناقش بشيء من التفصيل تلك الإصلاحات ومدى دستوريتها لنرد بقوة على كل الأصوات المبحوحة التي تحاول إجهاض ثورة الشعب .
- ضمن محور الإصلاح الإداري الذي تضمن توصيات بإجراءات للإصلاح الإداري من خلال تقليص حمايات المسؤولين في الدولة وتحويل الفائض الى وزارتي الدفاع والداخلية، والإستمرار في تحديد إمتيازات المسؤولين بضمنها السيارات والسكن ، نبين أن جميع هذه الإمتيازات منحت للمسؤولين بموجب أوامر صادرة عن قيادات الدولة الفاشلة ولم يمنح أي منها إستناداً الى نص دستوري أو قانوني .
- أما إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فنبين الآتي : ورد ضمن الفقرة ثانياً من المادة (69) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النص الآتي (ثانياً تنظم بقانون أحكام إختيار نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية). ولم يصدر هذا القانون حتى الآن وتم الإكتفاء بتعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية بحسب الحاجة لإرضاء الكتل السياسية. أما نواب رئيس الوزراء فضمن (الفرع الثاني) من (الفصل الثاني) المخصص لمجلس الوزراء لم ترد أية إشارة الى منصب نائب رئيس الوزراء، بل اكتفي بالنص على رئيس مجلس الوزراء و الوزراء , ما يعني أن وجود نواب الرئيس أصلاً غير دستوري. أما نواب رئيس الجمهورية الذين يتوجب تشريع قانون لتنظيم أحكام إختيارهم، وهو الآخر لم يصدر أصلاً، فقد تم إتخاذ قرار من مجلس الوزراء بإقالتهم، وصادق على القرار مجلس النواب المنتخب بالإجماع، وجاء ذلك إستجابة لمطالب جماهير المتظاهرين الذين جددوا إرادة الشعب. وتعتبر هذه العناصر من القوة بحيث تتجاوز آلية تشريع القوانين التي يتم إقتراحها من مجلس الوزراء والمصادقة عليها من مجلس النواب بالأغلبية البسيطة .
- أما بقية الإصلاحات الواردة في محور الإصلاح الإداري وهي إبعاد المناصب العليا في الدولة عن المحاصصة السياسية والطائفية، وإعفاء من لا تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، فهي توجهات عامة يضمنها باب الحقوق والحريات ضمن الدستور .
- وأما ترشيق الوزارات والهيئات المترهلة لرفع الكفاءة في العمل الحكومي وتخفيض النفقات، فهو قرارات لا علاقة لها بالدستور حيث أن الحاجة الفعلية لحجم العمل هي من تحدد وجود هذه التشكيلات . كذلك الحال بالنسبة لإخضاع جميع الوزارات والجهات الأخرى غير المرتبطة بوزارة للمساءلة والمحاسبة، وإلغاء مواقع المستشارين خارج الملاك وإلغاء الفوارق في المخصصات والرواتب للرئاسات، فمن المؤكد ان ما صدر منها بموجب تعليمات سيعدل بتعليمات، وما صدر منها بموجب قانون فسيعدل بقانون، ولا علاقة للدستور بهذه القضايا. وبالنسبة الى تخويل رئيس مجلس الوزراء صلاحية إقالة المحافظين، فإن لمن يمتلك الصلاحية الحق في تخويلها، وحيث أن مجلس النواب يمتلك هذه الصلاحية فإن تصويته بالموافقة عليها يعتبر تخويلاً قانونياً ولا علاقة للدستور بذلك. أما تخويل رئيس مجلس الوزراء إقالة رؤساء وأعضاء المجالس المحلية في حالة حصول خلل في الأداء، فقد تبين أن هذه المجالس بالكامل معينة وليست منتخبة، وأصبحت أوكاراً للفساد والإبتزاز، ومهمتها الوحيدة هي تزويد المواطنين بتأييد السكن بعد تسلم "المقسوم". والدليل على ذلك أن مجالس المحافظات بدأت تتسابق في إلغاء المجالس المحلية ضمن محافظاتها، والتي تتصاعد شكاوى المواطنين ضمن المناطق التي توجد فيها كما تناقلتها القنوات الفضائية .
- أما ما ورد ضمن محور الإصلاح المالي، والذي يضمن معالجة التهرب الضريبي وتطبيق التعرفة الكمركية، فهو توصيات بتفعيل قوانين نافذة فعلاً إلا أنها مهملة. والتوجه الأخير ضمن هذا المحور كان خفض الحد الأعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين، والتوصية بإعادة صياغة تقدم خلال أسبوع، ومن المؤكد إنها ستنفذ من خلال مشروع قانون يعرض على مجلس النواب للتصويت والمصادقة .
- وضمن محور الإصلاح الإقتصادي كانت التوصيات تقضي بتفعيل القروض لتنشيط حركة الإقتصاد، وتفعيل دفع مستحقات المواطنين الواجبة الدفع، وإنجاز برنامج للدفع الآجل من قبل وزارتي التخطيط والمالية لغرض إقراره، بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين والتي يعانيها العراق بالكامل. إضافة الى إلغاء جميع الإستثناءات من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية لسد الطريق أمام الفساد في تنفيذ العقود ولا علاقة لهذه التوصيات والقرارات بالدستور من قريب أو بعيد .
- وفي محور الخدمات كانت التوصيات تتضمن الخروج بحزمة إجراءات لحسم مشاكل الكهرباء في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع والجباية، كذلك تبني برامج رقابة مجتمعية لكشف التراجع والفشل في تقديم الخدمات لمحاسبة المقصرين وتفعيل الجباية. ولنا ان نتساءل: أيٌّ من هذه التوصيات والقرارات يتعارض مع الدستور ياترى؟
- وأخيراً محور مكافحة الفساد الذي يشكل العلة التي تقف وراء خراب الدولة العراقية. فقد تضمنت القرارات تفعيل مجلس لمكافحة الفساد، وإطلاق حملة من اين لك هذا ؟، وهو ما طالبت به جماهير المتظاهرين لمحاسبة الفاسدين والمفسدين من خلال تنشيط دور المؤسسات الرقابية وخاصة هيئة النزاهة، وإعادة النظر في مكاتب المفتشين العموميين التي تشكل عبئاً على أجهزة الدولة ويمارس من خلالها إرهاب الموظفين وإبتزازهم وعرقلة عملهم أكثر من تقويمهم ، وفتح جميع ملفات الفساد السابقة والحالية. فيا ترى أيٌّ من هذه القرارات والتوصيات يتعارض مع الدستور؟ كذلك القرارات والتوصيات التي وردت في جميع المحاور التي أشرنا إليها، نجيب بكلا. بل أن جميع هذه القرارات والتوصيات تنسجم مع روح الدستور ونصوصه، وهو الذي سُنّ لحماية الحقوق والحريات وتنظيم عمل دولة مؤسسات بعيداً عن نفوذ الفاسدين.
لذا فعلى الجميع التصدي بقوة لمن يحاول مجابهة النهضة الجماهيرية التي بدأت تستجيب لها مؤسسات الدولة ومجلس النواب، من أجل بناء عراق مزدهر تتحقق فيه الحرية والعدالة الإجتماعية .