المنبرالحر

ثورات الربيع العربي /الاسباب والنتائج / د.ماجد احمد الزاملي

جاءت إيديولوجيا التغيير في المنطقة العربية لعدة أسباب وعوامل داخلية سياسية /اقتصادية /اجتماعية /ثقافية كان لها دور مهم وحاسـم في تغـيير الأحداث ، هذا بجانب عوامل خارجية لا يمكن إغفالها ، لأن البعض يرى أن الثورات العربية إندلعت من المحيط العربي الداخلي ولم يكن لأي عنصر خارجي دور في ذلك.
ويشير مفهوم التغيير السياسي إلى مجمل التحولات التي تتعرض لها البنى السياسية في مجتمع ما بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها أو دول عدة ، كما يقصد به الإنتقال من وضع إستبدادي إلى وضع ديموقراطي.
أطلق مصطلح الربيع العربي على الثورات العربية التي مثلت حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في كُلِ البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع 2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ، والتي اطيحت بحكم زين العابدين بن علي في تونس و محمد حسني مبارك في مصر و العقيد معمر القذافي في ليبيا. وكذلك تنازل الرئيس اليمني علي عبدلله صالح عن صلاحياته لنائبه بموجب المبادرة الخليجية هي تندرج ايضاً في هذا الإطار ، وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسيّ والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.
و تعاني معظم دول الشرق الأوسط من التخلف الاقتصادي خاصة الدول العربية ، فهي غالباً ما تعتمد على واردات النفط أو السياحة والمعونات الخارجية في حين تغيب التنمية الحقيقية بسبب صعوبات تتمثل في إرتفاع معدل تزايد السكان في الدول العربية ، نقص الكوادر الوطنية ، التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي ، إنخفاض مستوى الإدخار . وفي ظل هذا الوضع المتردي فأن دخل الفرد سيكون متدني .
معظم بلدان الشرق الأوسط هي ذات نظم تسلطية وإستبدادية يقع بعضها في جغرافية العالم العربي ، وبالتالي في ظل هذه الأنظمة تنعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام ، وبالتالي كلها اسباب ادت إلى إندلاع ثورات الربيع العربي. إن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية ، حيث وجد ت في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم ، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن التاسع عشر . أما في العالم العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774 ، ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية.
و الإصلاح هوالتغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ .
و الإصلاح السياسي هو خطوات فعالة وجدية تقوم بها الحكومات والمجتمع المدني نحو ايجاد نظم ديمقراطية حقيقية تكون فيها الحرية القيمة العظمى والأساسية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي الى تداول السلطات، وتقوم على إحترام جميع الحقوق مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمساءلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية .
فهنالك من يعتبر ان العالم حقيقة متغيرة لأن التغيير هو سنة الكون ، لذلك فان الإصلاح السياسي هو عملية حضارية وطبيعية لابد من الدخول فيها من أجل تغيير الوضع الراهن بواقع أفضل ، وهنالك فريق له نظرة أخرى خاصة بعد تبني الولايات المتحدة الأميركية لعدد من المبادرات والمشاريع الإصلاحية ، حيث يرى أن الإصلاح المفروض من الخارج الذي نادي به الغرب هو حلقة جديدة من حلقات الهيمنة والتآمر على العالم العربي ، وهو يهدف إلى تحقيق أجندة خفية خاصة بمصالح الدول الغربية ، لذلك يؤمن هذا الفريق بان الإصلاح لابد وان يكون ذاتياً ولا ياتي من الخارج وهذا هو رأي الحزب الشيوعي العراقي حيث كان معارضا منذ البداية للاحتلال وللحرب لإسقاط الطاغية في عام 2003والعقد الماضي اثبت صحة رأيه.
والحقيقة أن الاصلاح السياسي يحتاج الى ارادة والى عمل يرافق هذه الارادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة الى الجهات المنوط بها اجراء تحديث واصلاح وبشكل علمي جدي وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك وهكذا تكون العملية مبتورة وبالتالي لا يكون هناك أي نتائج مرجوه من هذا الإصلاح.
فمن تجربة الاصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والانساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا امر مهم جدا لانه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الاصلاح يجب استبعاد الاناس المسؤولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشرية في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا ، وحلول اناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لاصلاح ما فسد او ما افسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الافضل.
عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس مجرد رغبة بل هي ضرورة لان الانماط والأشكال السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة وهي بالتالي قد انتفت الحاجة لها ولان السبب الذي كان يضمن للنخب الحاكمة الاستمرار في الحكم وفي السلطة بهذا الشكل مثل ان تحتكر السلطة الحكم لثلاثة عقود او عقدين لم يعد مقبول في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة, ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من الحياة اذ ان التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل اشكال السلطات والتشكيلات التي لا تتلائم مع معلم الحياة الجديدة.
نجحت ثورات الربيع العربي في إسقاط أنظمة الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا ، هذا الوضع سيؤدي إلى خلق علاقات جديدة ستلقي بظلالها على العلاقات الدولية لهذه البلدان مع دول أخرى في المجال الإقليمي أو الدول الغربية.
افرزت الثورات العربية هيمنة للقوى الإسلامية على السلطة وذلك بعد نتائج الإنتخابات التي اعقبت التغيير السياسي للأنظمة العربية التي سقطت ، ما كان له كبير الأثر في تنشيط التيارات الإسلامية بمختلف أنواعها مما يعني تنشيط لايديولوجية الإسلام السياسي في المنطقة العربية.
جميع القوى الإسلامية في الشرق الأوسط والعالم العربي ليست من القوى المتطرفة وإنما هناك القوى المعتدلة أمثال جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب الحرية والعدالة في مصر، والمتمثلة في حزب النهضة الإسلامية في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب و البعض الأحزاب والحركات الأخرى في العالم العربي. فالكثير من هذه القوى المعتدلة لاتقوم سياساتهم على أساس الكراهية للغرب - أو تقسيم العالم الى عالم الكفر و الإيمان- بل تقوم سياسات تلك الأحزاب المعتدلة على الأساس البراغماتي, وكذلك حزب النهضة التونسي الذي تقوم سياساته على الأساس البراغماتي ليس على المستوى الدولى بل على المستوى الداخلي، الواقع هو أن ما يدعم رصيد حزب النهضة في الشارع التونسي هو تبنيه أفكار زعيمه ومؤسسه راشد الغنوشي، الذي لا يجد حرجاً في الجمع والتوفيق ما بين القيم والأحكام الإسلامية وبين قيم ومبادئ الدولة المدنية والتعددية السياسية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان وغيرها.
تعتبر ثورات الربيع العربي هي حصيلة لمجموعة من العوامل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، بجانب العوامل الخارجية التي كان لها دور محدود ، وبالتالي شكلت هذه الثورات العربية الداعية للتغيير السياسي زعزعة لبنية الدولة التسلطية في العالم العربي مما ساعد في سقوط بعض الأنظمة العربية ، لذلك كان لثورات الربيع العربي دور فاعل في إحداث التغيير السياسي في المنطقة العربية.
ظهر المجتمع المدني في دول الربيع العربي باعتباره قوة مركزية في إحداث التغيير السياسي في المنطقة.
إن الجهود التي بذلت في السابق للتصدي لتحديات العالم الإسلامي كانت في الغالب متناقضة فيما بينها وكانت تعمل لخدمة أغراض متعارضة. وثمة سوء فهم واضح للثقافة السياسية للمنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، والتطرف، والإصلاح السياسي. وقد أدى التعاون الأمني مع أنظمة استبدادية لمواجهة التهديد الإرهابي إلى تعزيز المواقف السلبية تجاه الولايات المتحدة وسياساتها.
ويحتمل لجهود النهوض بالديمقراطية أن تمكن الأصوليين من تولي زمام الأمور في العديد من البلدان, فإنها قد لا تمثل أفضل الآليات لتسوية القضايا السياسية الجوهرية، خاصة وان شكوكا عميقة مازالت قائمة تجاه هياكل السلطة الرسمية في المجتمعات المسلمة. والذي سيقرر نتيجة هذا النزال الديني والعقائدي هو ميزان القوى والنفوذ بين الإسلاميين الراديكاليين، الذين يصرون على فرض شكل متزمت من الإسلام من خلال العنف و الترهيب، والمسلمين المعتدلين، الذين يهدفون إلى تجديد الإسلام من الداخل.
الإصلاح الذاتي وحزب العدالة والتنمية في كل من تركيا والمغرب، وكلاهما يعرّف نفسه كفاعل سياسي حديث يتبنى مواقف إسلامية ونشر الأفكار الإسلامية التقدمية تتكون حركة التجديد الإسلامي عموما من أربع مجموعات عريضة. فهناك مجموعة دعاة الإسلام المدني وهي تضم منظمات المجتمع المدني التي تدافع عن المساواة للمرأة وحقوق الإنسان والمسؤولية الاجتماعية، وحماية البيئة، والقضايا الاجتماعية المماثلة، ولكنها لا تطالب علانية بأي سلطة سياسية لكن اهدافها الغير معلنة هي الوصول للحكم. وتستشهد هذه المجموعة بالتعاليم التقدمية للإسلام، وتدعو الأنظمة إلى تنفيذ الإصلاحات واحترام الحقوق الأساسية. ويشمل دعاة الإسلام والديمقراطية الأحزاب والحركات التي لا ترى تعارضا بين القيم والتعاليم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية الحديثة. وتنادي هذه المجموعة بالمشاركة في العملية السياسية بهدف الوصول إلى السلطة وتطبيق الإصلاحات السياسية على أساس مبادئ إسلامية. أما دعاة الإصلاحات من داخل الإسلام فتضم الشخصيات الدينية القيادية، وعلماء الدين، والمؤسسات الأكاديمية التي تدعو إلى إعادة تفسير التعاليم الإسلامية، وإلى قراءة تاريخية للإسلام والقرآن، وتحديث المعرفة الإسلامية. ثم هناك الدعوة إلى إسلام التحديث الثقافي التي نشأت أساسا بين الطوائف المسلمة التي تعيش في الغرب. وهذه الجماعات والمنظمات القائمة خارج العالم الإسلامي، والتي تحاول خلق هوية إسلامية غربية لا ترى توترا بين أن يكون المرء مسلما ومواطنا في ديمقراطية غربية. والواقع أن ما يربط بين هؤلاء الفاعلين المتنوعين هو التزامهم بتحديث المؤسسات والتقاليد والممارسات الإسلامية.