المنبرالحر

والأطباء أيضاً.. في ساحة التحرير / د. سلام يوسف

لم يتوان الأطباء عن مشاركة الجماهير للتعبير عن غضبهم على الحال الذي وصلت اليه البلاد جراء السياسة المحاصصاتية المشينة المهينة للعراق والعراقيين والتي أنتهجها القادة السياسيون الطائفيون، هذه السياسة التي أثبتت وبالملموس أنها الباب التي أودت الى الفساد الذي استشرى الى حد بيع ثلث أرض الوطن والشعب الذي يعيش عليها وثروات باطنها، فأي خيانة هذه ليس من بعدها خيانة؟!
ورغم ما أشيع ويشاع عن الأطباء أنهم نرجسيون أو لهم خصوصياتهم أو تصوراتهم الحياتية والاجتماعية المختلفة، الاّ أنه وعلى الجميع أن لا ينسى حقيقة تاريخية لا تتزعزع، أن الأطباء العراقيين قد مدّوا جذوراً جبارة وعميقة في تأريخ العراق الحديث وفي حركته الوطنية، والديمقراطية بالذات من خلال مساهماتهم الفعلية في كل أنشطة الجماهير السياسية التقدمية.
فعشرات الأسماء من الشهداء الأطباء، وأضعافهم من ساهم في التظاهرات والاحتجاجات والأعتصامات على مدى مراحل التحرر الوطني، ومنهم من قاد تلك التظاهرات وأثبتوا أنهم جزء لا يتجزأ من الحراك الجماهيري منذ تبلور الفكر الديمقراطي في العراق وانحيازه التام للشعب والوطن، وقد تعرضوا الى الملاحقات والاعتقالات والسجون، وما لازمها من صنوف التعذيب.
فليس من الغريب أن أجد اليوم، الكثير من زملاء المهنة في ساحة التحرير وهم يحملون العلم العراقي ويهتفون للوطن ضد الفساد والفاسدين والمفسدين، ليس غريباً أن تصدح حناجرهم حباً بالوطن والشعب تأييداً للإجراءات الإصلاحية التي أطلقتها الحكومة مؤخراً، نعم فالقِطاع الصحي في العراق كباقي القِطاعات يعاني الأمَرَين، فهو من جهة يعاني من التخلف البيئي والحضاري وفقر الوعي المزمن، ومن جهة أخرى يعاني من عبث أصابع الفساد ومخالب وحوش المفسدين.
الفساد مستشرٍ في مفاصل كثيرة وكبيرة في وزارة الصحة ومؤسساتها ومديرياتها العديدة، خصوصاً وأن القطاع الصحي يحتوي على منافذ كثيرة جداً والتي من خلالها ينفذ الفساد، وتحديداً بعد أن توفرت كل الظروف الموضوعية لينتشر في كل المرافق الإدارية والخدمية والتنفيذية.
إن الفساد الذي يعاني منه القطاع الصحي في العراق هو جزء لا يتجزأ من صورة الفساد السوداء التي تعم الوطن، فهو يكمن في صفقات الأدوية، اللقاحات، الأجهزة، ترميم المستشفيات والمراكز الصحية، صفقات (شركات) التنظيف، صفقات العمالة الأجنبية، صفقات الأيفادات، العيادات والصيدليات غير المرخصة، انتشار دكاكين الطبابة والتطبيب، انتشار مراكز الشعوذة والدجل، الإجهاز على الصناعات الطبية الوطنية، أطلاق العنان أمام رؤوس الأموال الاستثمارية(الفاسدة) لإنشاء مراكز تطبيب تجارية، مافيات وسماسرة العلاج في الخارج، التعيينات الوظيفية...الخ!
وترك المواطن يتلظى بين فكي الجشع والأسعار الباهظة وتحت كل المسميات التجارية وبين اللا بديل. اي صورة معتمة بعد هذه ،أي صورة كالحة يعيشها واقعنا الصحي! أما يحق للأطباء، أبناء دجلة والفرات أن يتظاهروا ويهتفوا للإصلاح؟
أن هموم الغالبية العظمى من الأطباء هي من هموم الشعب، والواجب الإنساني والوطني يدعوهم كي يكونوا بين عشرات بل مئات ألوف المتظاهرين وأن يتصدوا بكل حماس الى الفساد وهم جزء من هذا الواقع الصعب، لذا أمنيتي أن ترتفع رايات نقابات القطاع الطبي والصحي على مختلف مسمياتهم في ساحة التحرير وكل ساحات التظاهر على امتداد الوطن حتى تحقيق المطالب وتنفذ الإصلاحات والسير قدماً باتجاه تثبيت أركان الدولة المدنية الديمقراطية.