المنبرالحر

المصير المجهول يحيط بواقعنا العربي المعاصر/ زاهر نصرت

ان عالمنا العربي اليوم يمر بمرحلة لافتة للانتباه عصية على الفهم ، تتمثل في السعي الحثيث للتقهقر الى ألوان من التشظي والتفتت الطائفي والقبلي والعرقي والديني في مقابل سعي العالم الحثيث الى التكتل والذوبان في كيانات كبرى تحاول ان تجد مشتركات ثقافية واقتصادية لتعايش قوميات متباينة ومتعددة ، فلقد اثبتت العولمة الحديثة بالرغم من كل الصراعات والحروب السابقة التي شهدها العالم على مدى عقود ماضية ان الهويات القومية لن تندثر وقادرة على التناغم والتفاهم والعمل في اطار حياة مشتركة يتعايش فيها العالم ويتعاون تفادياً للكوارث والدمار وبحيث اصبحت هذه العولمة عامل تقدم لتلك الشعوب والهويات لتأسيس مجتمع بشري جديد . بعكس ما نجده في واقعنا العربي المعاصر حيث نجد اننا غائبون تماماً عن هذه الرؤية العالمية وكأننا لا نعي مسار حركة التاريخ البشري المعاصرة وهي حركة تسير وتتقدم وتتشكل متجاوزة الصراعات المذهبية والاختلافات الاثنية ، متطلعة لبناء عالم متضامن تجمعه المصالح البشرية وفي مقدمتها حقوق الانسان هذه الحقوق المشروعة في الحرية والمشاركة في تقرير حياته ومعاشه وصحته ولتحقيق تضامن شعبي على مستوى العالم لضمان الامن والسلام للبشرية ولتجنيبها كوارث الحروب واسلحة الدمار الشامل ولمواجهة الكوارث الطبيعية المتنامية .
ان الذي اسهم في تفاقم هذه الأوضاع أنظمة الحكم المطلق عبر مظاهر الاستبداد والتسلط ، هذه الأنظمة قهرت شعوبها وعزلتها عبر المشاركة في القرار والرقابة بحيث أصبحت شعوب مهمشة وعاجزة ولا ترى في نفسها القدرة على اتخاذ أي قرار يتعلق بحياتها ومستقبلها ، ان تمسك النظام المطلق بكل السلطات ومنح نفسه الحق وحده لا شريك له في شؤون الناس كافة حتى لو تعارض هذا مع مصالح الدولة والوطن ما أدى ذلك الفعل الى تشرذم المجتمعات العربية داخل اوطانها او في علاقاتها بالعرب من الدول الأخرى .
لقد أشاعت تلك الممارسات الاستبدادية حالة من اليأس لدى الكثير من المواطنين ومنهم طائفة المثقفين والمفكرين الذين احبطوا بسبب ما فرضته الأوضاع عليهم من إحساس باليأس وانغلاق الأفق وإحساسهم بأن المستقبل قد أغلق امام العرب جميعهم خصوصاً بعد ان ظهرت مؤشرات جديدة على المنطقة العربية تمثلت في محاولة إعادة التاريخ الى الوراء لتعود كل من تركيا وايران ودول أخرى للتنافس على نفوذ إقليمي جديد على حساب العالم العربي ، وان هذه الأنظمة المستبدة لم تكن بعيدة عن المساهمة في إعادة هذه النفوذ وصياغته لتستند اليه وتعتمده في دعمها للبقاء والاستمرار في الحكم والهيمنة بل اكثر من ذلك ، ساهمت هذه الأنظمة في فتح الطريق لتتسلل افكار متطرفة في رؤيتها قادمة من هذه الدول لتكسب لها ارضية بين قطاعات شعبية فقدت الامل في اوطانها او انظمتها الحاكمة وكما نرى اليوم تنظيمات سرية وعلنية تعلن تبعيتها الفكرية وقيادتها الدينية لعناصر غير عربية قابعة في اوطانها يعملون على فرض أفكارهم وتقاليدهم الدينية علينا .