المنبرالحر

مواطنون بلا حدود / طه رشيد

لا يختلف اثنان على تحول العالم الى قرية صغيرة بفضل التطور الهائل لوسائل الاتصال التي أدت إلى وحدة أممية حقيقية غير مسبوقة ..ورويدا رويدا وصل الأمر بالدول الاوربية الى إلغاء حدودها البرية. فبإمكانك أن تنطلق من الدانمارك مرورا بألمانيا ولكسمبورغ وهولندا وبلجيكا وفرنسا حتى تلامس سيارتك تخوم البحر في اسبانيا دون أن ترى نقطة حدود واحدة باستثناء كتابات على الارض ترحب بك لتعرف انك قد دخلت بلدا جديدا.
وما زال العراقي يحلم بالسفر الى بلدان كانت في سنوات السبعينيات ترفع قبعتها له لأسباب عديدة، منها حسن أخلاقه وطيبته ومعشره السهل دون عقد أو منغصات. وكان يقدم أوراقه لأية سفارة طلبا لتأشيرة الدخول، فلا تتردد في منحه إياها خلال أيام. لكنه لم يعد أمامه اليوم إلا عدد قليل من البلدان التي لا تطلب تأشيرة دخول، وهي دول هدفها تجاري وسياحي مثل جورجيا وماليزيا وغيرهما من البلدان البعيدة.
وقد تنازل العراقي عن حلمه بالذهاب إلى سوريا، التي لا تحسد على الوضع فيها، وتنازل كذلك عن أمنيته بالسفر إلى الأردن لترد له بعضاً من دين نفطي! وفي ظل شظف العيش ونقص الخدمات وفقدان الامان، هنا وهناك، لم يجد العراقي بدا من تحدي المخاطر، عابرا الغابات مشيا على الاقدام أو راكبا مركبا متهرئا لينتهي ، بمفرده أو مع اطفاله، طعما مجانيا في البحر . وهكذا يهرب من حوت المدينة ليكون وجبة دسمة لاسماك القرش!
ليس كل العراقيين راغبين أو قادرين على السفر الى الخارج، وحياتهم مستمرة بالرغم من كل الظروف والمعوقات في وطنهم. ولكن هذا لا يمنع العراقي من التمتع ببلده بشماله وجنوبه اذا تعذر عليه غرب الوطن بسبب تدنيسه من قبل داعش. ولكن الذهاب إلى الشمال( إقليم كردستان ) محفوف بمخاطر حقيقية. فقد لا يستطيع الدخول بسبب الإجراءات المشددة التي اتخذها الاقليم بشأن دخول العراقيين من خارج محافظاته. وإذا بررنا، على مضض، لكردستان إجراءاتها، باعتبارها إقليماً له علم وحكومة ونشيد وطني، فكيف نبرر لمحافظات، تتشبه بالمدن، مثل الناصرية و?لبصرة والسماوة وغيرها، مطالبتها الداخلين إليها بكفيل أو وكيل أو بطاقة سكن المدينة!؟ ما أخشاه أن تمتد هذه الإجراءات المرفوضة وغير المبررة إلى محافظة بغداد، فتبدأ السيطرات (بعد ان تترك البحث عن المفخخات والعبوات والاسلحة والفاسدين ) البحث في الهويات عن مسقط الرأس!
ويا ويلك اذا كان مسقط رأسك في إحدى المحافظات المنكوبة، وخاصة الموصل وصلاح الدين والانبار أو ديالى، فإنها ستسلمك لقمة سائغة لداعش، مجبرا أو مختارا.. عندها سيكون العراق شيء من الذاكرة!