المنبرالحر

رأي في دمج الوزارتين / د. سلام يوسف


ما يبدأ بخطأ ينتهي الى أخطاء.
فما بدأ على محاصصة ،ينتهي(بل أنتهى)الى تحاصصات فرعية وثانوية، والى الفساد، والى هدر المال العام والى فقر الخدمات والى انحدار بكل الأنشطة الحكومية وربما اللا حكومية، فسياسة 12 سنة التحاصصية، لا بد وأنها خلقت الأجواء والحواضن لجملة أخرى من السلبيات وهذا هو سبب الذي كان وسيبقى وراء ما حققه ويحققه الإرهاب.
ومن الضفة الثانية كانت للشعب كلمته وأنتفض، حيث توّج غليانه بالتظاهرات الجارية حالياً، وتحت الضغط الجماهيري، أصدرت الحكومة سلسلة من الإجراءات الإصلاحية الايجابية واكتسبت شرعيتها بموافقة البرلمان عليها، ومن تلك الإجراءات ، "ترشيق الوزارات".
وبغض النظر عن جدية تطبيق هذه الإجراءات من عدمها، فأن ترشيق الوزارات هو عنوان بحد ذاته، ولأجل أعطاء الرأي بهذا العنوان فلنتفق على أولويات، والتي يبدو لي أهمها السؤال التالي: لِمَ الترشيق؟
وحسب فهم الظروف التي أحاطت باتخاذ جملة الإجراءات الإصلاحية هذه، فأن الترشيق كان أحد الخطوات التي تقلص زوايا الفساد وتضغط باتجاه المصلحة العامة، شريطة أن لا يكون على حساب نوع الأداء وعلى مسيرة الإصلاح ذاتها.
لكن وللأسف فأن دمج بعض الوزارات، ومنها وزارة البيئة بالصحة، قد أغفل هذا الشرط، والنتيجة فـأن جملة الإصلاحات، ستتحول من (عون الى فرعون)، كون هذا الدمج بالواقع هو على حساب النوع.
لماذا؟
لأن البلد مكبّل بكم هائل من الظواهر السلبية التي تعيث ببيئته، وأيضاً البلد مكبّل بتراكمات هائلة من المشاكل الصحية، بل أن كلا الناحيتين البيئية والصحية أصبحتا من السوء الى حد التنافر فيما بينهما في تحمل مسؤولية ما يحصل من تراجعات، وأن كلا العنوانين (البيئة والصحة)، يحملان من ثقل المهمات وتغلغل الفساد بحيث سيكون الأمر ثقيل وثقيل جداً على وزيرٍ واحد أن يدير الكم الهائل من المديريات والمؤسسات والإدارات ..الخ.
وليس هذا فحسب، فأن كلا من الوزارتين لها ضوابطها التي تتحكم بعملها، أضافة الى جملة المعطيات التي تسيّر عمل كلٍ منهما في علاقتيهما مع حركة المجتمع ومع الوزارات الأخرى، الخدمية والإنتاجية، ناهيك عن علاقتيهما بما يقابلهما دولياً والارتباط العلمي مع المنظمات الدولية.
نعم أن أحداهما مرتبطة بالأخرى من خلال نواتج تفاعلات حركة المجتمع بكل العناوين، ألاّ أن لكلٍ منهما خصوصية ترتبط بالعديد من نواتج فعل الإنسان والطبيعة، أما من ناحية الأستراتيج ، فذلك تتحكم به طبيعة النظام القائم وأسس اقتصاده، وأرتباط كل ذلك بكل الأنشطة البشرية المختلفة، ولا ننسى اختلاف الأسس التي تتعامل كل من الوزارتين بموجبها بما موجود بأرض الواقع، ومثال ذلك، إن التعامل مع التلوث البيئي يختلف عن معالجة الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي ذاته.
لذا أرى ليس من الصواب أن تدمج وزارة البيئة بوزارة الصحة فمن شأن ذلك أن يفاقم الأزَمة ويخلط الأوراق ويكون سبباً في بطء الأداء الايجابي، ورغم ظاهرية ارتباط العناوين من الناحية النظرية، لكنهما مختلفان تماماً في الأسس وفي التعامل وفي الإنتاج، وكذا الحال ينطبق على دمج وزارة العلوم والتكنولوجيا بوزارة التعليم العالي، وبالمقابل فلا ضير ولا ضرر من دمج وزارتي الثقافة بالسياحة على سبيل المثال.