المنبرالحر

نحو مراجعة شاملة لإيقاف تدهور التعليم / محمد موزان الجعيفري

أظهرت نتائج الامتحانات الوزارية للدراسة المتوسطة التي أعلنت في المحافظات تدهورا خطيرا ومؤشرا على تدني العملية التربوية والتعليمية، وشكلت صدمة للعاملين في الحقل التربوي ولعموم شرائح المجتمع بعد أكثر من عقد على التغيير. ولكن هذه النتائج ونسبها المتدنية جدا لم تكن مفاجئة في ظل تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وازدياد نسبة الفقر في البلاد وسوء الخدمات واستشراء الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام وسوء توزيع الثروات وأموال العراق التي حرم منها أبناء الشعب العراقي لتذهب إلى جيوب حفنة من?السياسيين وعوائلهم وحواشيهم . وهذه النتائج لم تكن مفاجئة كذلك نظرا لتدني مستوى التعليم والدراسة لجميع المراحل الدراسية وليس الدراسة المتوسطة فقط، بسبب ضعف مستوى المعلمين والمدرسين ومتابعة الطلاب من قبل المدرسة والضعف الكبير الحاصل في جهاز الإشراف التربوي. اضافة الى وعدم حماية الدولة للمعلمين والمدرسين الذين يتعرضون يوميا إلى الاعتداءات من ذوي الطلاب عند محاسبة أبنائهم عند تقصيرهم في الدراسة، ولسوء أوضاع المدارس وتهالكها للإعداد الكبيرة التي تضاعفت في المدارس وازدحام الصفوف وتجاوز قدرة المعلم على ضبط الدرس ?إيصال المواد الدراسية إلى أذهان التلاميذ نتيجة لقلة الأبنية المدرسية والدوام الثنائي والثلاثي في اغلب المدارس وقلة الكتب المدرسة والتغيير المستمر للمناهج الدراسية.
هذه الأسباب المهنية تضاف إليها تداعيات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية حيث استفحلت البطالة وازدادت نسبة الفقر في العراق والتي دفعت الطلاب إلى العمل والدراسة لمساعدتهم عوائلهم الفقيرة. كما إن الأوضاع الأمنية والعسكرية واحتلال داعش للعديد من المحافظات والمدن ونزوح ملايين العراقيين من مدنهم كلها عوامل أثرت بشكل كبير على العملية التربوية. ولكن كل هذه الأسباب لا تعفي الحكومات السابقة ومجلس النواب ووزارتي التربية والتعليم العالي الذين يتحملون مسؤولية كبرى في انهيار العملية التربوية والتعليمية في البلد بسبب المحا?صة الطائفية المقيتة التي أضرت بشكل كبير في قطاع التربية والتعليم وأوصلت أشخاص لايتمتعون بالكفاءة وغير مهنيين ولاتتوفر فيهم الخبرة والكفاءة الضرورية لمثل هذه العملية المهمة إلى رأس الهرم التربوي والتعليمي ورأس المؤسسات التربوية والتعليمية كونها من طائفة معينة أو من الحزب الحاكم وعلى حساب المصلحة الوطنية والمستوى التعليمي والتدريسي والمستوى العلمي.
كما إن جميع الحكومات لم تبادر إلى حملة وطنية لبناء مدراس حديثة في عموم المحافظات التي تشهد نقصا كبيرا في الأبنية المدرسية ولم تحاسب السراق والفاسدين الذين سرقوا أموال الشعب التي خصصت لبناء المدارس ومنها مدارس الهياكل الحديدية التي أصحبت فضيحتها على كل لسان وجرى التستر عليها لمصلحة أحزاب دينية متنفذة وغيرها من فضائح سرقة أموال بناء المدارس وترميم البعض منها وبسبب مهم أيضا أسهم في تدني مستوى التعليم وهو اختصار البعثات الدراسية للدراسات العليا (ماجستير- دكتوراه) على أبناء المسؤولين والسياسيين وعلى أعضاء الأح?اب المتنفذة حتى إن بعضهم لايملك الشهادة الإعدادية. وهؤلاء هم من يقود العملية التربوية الآن بعد أن أزيحت كل الكفاءات والخبرات الوطنية المجربة والمعروفة في المجال التربوي.
وإزاء هذا التردي الخطير في العملية التربوية والتعليمية على الحكومة ومجلس النواب اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لمعالجة التدهور الذي لو استمر فأنه سيقضي على العملية برمتها. واهم وأسرع إجراء هو إعادة الكفاءات والخبرات التعليمية والتربوية المعروفة بعلميتها وكفاءتها وإخلاصها ووطنيتها على رأس الهرم التعليمي والتربوي وعلى رأس الجامعات والكليات والمدارس وإبعاد هذه المؤسسات التربوية عن سيطرة الأحزاب وعن المحاصصة الطائفية وإصدار قوانين لحماية الهيئات التدريسية والتعليمية تتضمن عقوبات شديدة ضد كل من يتجاوز أو يعتدي على هذه?الهيئات أو يتدخل في عملها ومنع دخول الحزبيين وغيرهم إلى المدارس والكليات وإعادة النظر في مواضيع المناهج الدراسية المحرضة على الفتنة والتعصب الطائفي ويسيء البعض منها إلى رموزنا التاريخية، وتشكيل لجنة من المختصين في وزارة التعليم العالي لإعادة فحص وتقييم من حصل على شهادة (ماجستير- دكتوراه) بعد عام 2003 قبل السماح له بممارسة عمله وإغلاق بعض الجامعات الأهلية التي تمنح شهادات دراسية للسياسيين وبعض أعضاء الأحزاب الدينية والمسؤولين وأبنائهم من ضباط الجيش والشرطة دون دوام أو اختبارات والتي لا تلتزم بضوابط وزارة ال?ربية والتعليم العالي وما أكثر هذه الجامعات التي انتشرت مؤخرا في إرجاء البلاد.
كذلك ضرورة متابعة العملية التربوية والتعليمية من قبل مشرفين تربويين يتمتعون بالمهنية والكفاءة والنزاهة وفتح دورات تقوية للمعلمين والمدرسين لتجديد معلوماتهم واطلاعهم على الطرق التدريسية الحديثة في العالم ومحاسبة المقصرين في أداء الواجب بدون تهاون والقيام بحملة كبرى بمساعدة المنظمات الدولية والإقليمية لبناء المدارس الحديثة في عموم محافظات القطر وتعيين خريجي معاهد المعلمين والمعلمات لسد النقص في ملاك المدارس التعليمي .